للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسس رفع راية الجهاد]

ولا يمكن أن نرفع راية الجهاد ونجاهد في سبيل الله إلا إذا أصلحنا أنفسنا، والإصلاح ممكن، ونحن قادرون عليه، ولهذا ينبغي أن نستثمر هذه الأحداث في إصلاح أنفسنا، وفي العودة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة) والعينة نوع من أنواع الربا، والربا اليوم يملأ البلاد الإسلامية مع الأسف، (وأخذتم بأذناب القبر، ورضيتم بالزرع) يعني: رجعتم إلى الدنيا، ورغبتم فيها، وأحببتموها (وتركتم الجهاد)، وهذا هو الواقع الموجود في حياة العالم الإسلامي اليوم (سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).

فالدين تركناه بكوننا أكلنا الربا، وهذا رمز للذنوب كلها، وبحب الدنيا وكراهية الموت، وبترك الجهاد.

فهذه الأمور هي التي جعلت هذه الأمة في ذلة وصغار، ولهذا لا يمكن أن نخرج من هذه الضائقة إلا بالعودة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى.

وكثير من الإخوان والمسلمين في العالم الإسلامي نسمع عنهم أنهم يقولون: نريد أن نجاهد، فما هو الطريق إلى الجهاد في سبيل الله؟! إنني أعتقد أن من أعظم الطرق إلى الجهاد في سبيل الله أن نبدأ بإصلاح أنفسنا، ونبدأ بالدعوة إلى الله عز وجل لإخواننا الآخرين، فهناك إخوان لنا قد وقعوا في شيء من الذنوب والمعاصي، ومع هذا إذا نظر أحدهم إلى إخوانه يقتلون في كل مكان فإنه يشعر بالألم والأسى، وقد يكون ممن يترك الصلاة، أو ممن يقع في الزنا ويشتغل بالمعاكسات، أو يأكل الربا، ومع هذا يتحرق مما يرى من أحوال المسلمين الذين يستذلون في كل مكان، فهذه الحرقة عبادة له وأجر عند الله عز وجل، لكن ينبغي أن نفكر بعقل، وهو أن التصحيح يكون من أنفسنا، فينبغي أن نبدأ بنصيحة إخواننا هؤلاء بلطف، وبحسن خلق، وبأدب، ونقول: اتركوا هذه الحرقة وهذا الهم الذي تشعرون به، ومن حقكم أن تشعروا بهذا، وأنتم في عبادة عندما تحزنون إلى إخوانكم المسلمين، ولكن نبدأ فنصحح أوضاعنا الأخرى، فالذي يقع في شيء من الذنوب يبدأ يصحح حياته، ويكفي أن نوحد رأينا جميعاً في أنه لا خلاص لهذه الأمة إلا بالجهاد في سبيل الله، وقد سمعنا عن القومية العربية، وأن هذه القضية هي قضية العرب، وأن الأخوة العربية والدم العربي لا بد من أن نثأر له، وهذا كله كلام قد ذهب أدراج الرياح، فلا العالم العربي ولا غير العربي يستطيع أن يفك هذه الضائقة، بل لا يفكها إلا الجهاد في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجه الله عز وجل، ويقوم به الصالحون الذين يرجون وجه الله, ويرجون الدار الآخرة، وإذا قتل أحدهم قتل وهو يرجو الجنة عند الله سبحانه وتعالى، فهو يضحي بدمه في سبيل الله سبحانه وتعالى.

إذاً: هذا التوجه ينبغي أن يكون عندنا، وأنا لا أقول: إنه يخفف من حماسهم، بل الواجب أن نقوي حماسهم؛ لأن لهم حقاً في هذا، ولأن هذا عمل فاضل يقومون به، وخير كبير أن توجد مثل هذه المشاعر في نفوس إخواننا حتى ولو كان عندهم تقصير أو معاص أخرى، لكن ينبغي أن نستثمر هذا في إصلاح إخواننا، ونصيحة أخواتنا اللاتي يتبرجن، أو اللاتي يقبلن المعاكسة من الرجال، أو اللاتي يقعن في معصية من المعاصي، فهذه فرصة يمكن أن نشغلها في الدعوة إلى الله، وهناك أحداث في بعض الأحيان تهز الأمة فتجعلها تعود إلى الله عز وجل، فيجب أن نشارك في عودتها ما دام أن هذا الحدث قد وقع وهو مؤلم لنا جميعاً، ويجب أن نستفيد من هذا الحدث في نصيحة أكبر عدد من إخواننا، حتى نبدأ بالتصحيح الفعلي؛ لأن الحماسة المجردة يمكن أن تنتهي خلال أسبوع، أو شهر، أو شهرين، أو ثلاثة أشهر، ثم ينتهي.

فهذه الحماسة إذا بقيت حماسة مجردة فإنها ستنتهي بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، أو شهر أو شهرين، وربما تنتهي بعد سنة، ثم يعود المرء إلى معاصيه، ونحن لا نريد أن يكون عندنا حماسة مجردة، بل نريد أن تكون عندنا ثوابت، وهي أن يقتنع هؤلاء الإخوة المتحمسون والأخوات المتحمسات -وحق لهم ذلك- بأن الحماسة المجردة لا تكفي، بل لا بد من أن نعود في حياتنا إلى الله عز وجل، وإذا عدنا إلى الله عز وجل فإنه لن يستطيع أحد أن يقف في وجوه المجاهدين أبداً، فنحن نسمع في الأخبار أن الأمريكان في أفغانستان يشعرون بأنهم تورطوا مع أشرف قوة في العالم كما يسمونها، وأشرف قوة في العالم هي مجموعة لا تملك أسلحة الدمار الشامل، وليس عندهم طائرات، وليس عندهم دبابات، بل هم مجموعة يسيرة هنا وهناك، لا يقاتلون بحماسة مجردة؛ لأن الحماسة المجردة عند الجد تذهب ويرجع الإنسان إلى طبيعته وضعفه واستكانته، وربما تخونه قواه بسبب ذنوبه، فإن من خان (حي على الصلاة) يخون (حي على الكفاح)، ومن يخون حي على الصلاة ولا يكون مؤدياً لواجبه الشرعي سيخون الجهاد في سبيل الله.

فوجدوا أن هؤلاء قوم يستلذون بالموت ويطلبونه، كما أنهم يستلذون بالحياة ويطلبونها؛ لأن هؤلاء الناس يعرفون أن حياتهم الحقيقية هي في الموت، ولذا فإنهم يطلبونها، وقد يتأثر بعضهم عندما يرى أخاه قد فارق هذه الدني

<<  <  ج: ص:  >  >>