للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان شيء من أنواع السحر]

عقد المصنف بعد ذلك باباً سماه [باب بيان شيء من أنواع السحر] والمراد بالسحر في هذا الباب الذي عقده المصنف هو السحر بمعناه اللغوي، وليس السحر بمعناه الاصطلاحي، ولهذا سيأتي أن النميمة تعتبر من السحر، وتعتبر الطيرة من السحر، ويعتبر البيان والفصاحة من السحر، وهذه كلها ليست من السحر بالمعنى الاصطلاحي، بل هي من السحر بالمعنى اللغوي العام، وتدخل جميعاً في كونها خفية ومؤثرة ولا تعرف جهة تأثيرها بشكل مباشر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بيان شيء من أنواع السحر.

قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، حدثنا حيان بن العلاء، حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت).

قال عوف: العيافة: هي زجر الطير، والطرق: الخط يخط بالأرض.

والجبت: قال الحسن: رنة الشيطان.

إسناده جيد، ولـ أبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسند منه].

نلحظ أن الشيخ اعتبر العيافة هي الطيرة، وقد سبق الحديث عن الطيرة، وقلنا: إن المقصود بها التشاؤم بالطير.

والعيافة من السحر، والخط الذي سماه الطرق من السحر أيضاً.

والطيرة أو العيافة هي زجر الطير، بمعنى: أمر الطير، وكانوا يربون الطيور كما تربى الآن النسور والصقور للصيد، فإذا أرادوا تزويج شخص أتوا بهذا الطير وزجروه، فإذا ذهب يميناً تزوج، وإذا ذهب يساراً ترك، وكذلك في السفر، وكذلك الحال في الحرب، وكذلك الحال في أي باب من الأبواب التي يريدون أن يعملوها، فيقومون بزجر الطير، فإذا ذهب في أي اتجاه فسروا هذا الاتجاه على بناء وعلى اصطلاح عندهم.

واعتبر ذلك من السحر لأن محل التأثير فيه خاف، وكذلك الطرق، والطرق هو نوع من الكهانة، وهو خط يخطه في الأرض يستدل به على الغيبيات.

ومن أنواع الكهانة التنجيم، ومما يدخل في الكهانة العرافة، وهي أنواع من الاستدلال على المغيبات أو للبحث عن المفقود، فهذه كلها تدخل في نوع واحد، وهو الكهانة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد) رواه أبو داود وإسناده صحيح.

وللنسائي من حديث أبي هريرة: (من عقد عقدةً ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئا وكل إليه)].

هذا مثال للسحر، وهو العقد والنفث فيها، كما وصف الله عز وجل بقوله: {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:٤]، وهو نوع من أنواع السحر يقومون به للتأثير على الناس، سواءٌ أكان بالصرف أم بالعطف، والصرف: هو صرف الرجل عن زوجته أو الصديق عن صديقه، بحيث يكره أحدهما الآخر، وأما العطف فهو أن يجمع بعضهم ببعض ويحب بعضهم إلى بعض، وقد سبق الحديث عن أنواع السحر وأحكام السحر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة: القالة بين الناس).

رواه مسلم].

اعتبر المؤلف النميمة من السحر؛ لأنها تدب في الناس وتأثر فيهم تأثير السحر في المسحور، فحين تنتشر النميمة في المجتمع تأثر فيه تأثيراً بليغاً جداً، فأنت عندما يأتيك شخص فيقول: فلان يقول فيك كذا؛ فإنك تتأثر، كما أن الإنسان المسحور يتأثر.

فجاء بكلمة السحر من جهة العموم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من البيان لسحرا)].

البيان معناه: الفصاحة، وهل معنى هذا أنه يذم البيان؟

و

الجواب

لا يذم وإنما هو حكاية عن الواقع، فالواقع هو أن البيان يؤثر في الإنسان كما يؤثر السحر في المسحور، وليس في هذا حكم عليه، بل هو بحسب نوع البيان، فإذا كان البيان فيما يرضي الله عز وجل فهو طاعة لله سبحانه وتعالى وإن كان مؤثراً في الناس، وإذا كان البيان في معصية، الله فهو معصية بحسب نوع البيان، فهذا وصف للبيان عليه بأنه مؤثر في الناس كتأثير السحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>