للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طرق دراسة التوحيد والإيمان]

إن طريقة دراسة العلماء لتوحيد الألوهية هي مثل طريقة دراسة كتاب الإيمان، وذلك أنهم يدرسون الإيمان والتوحيد بطريقتين: الطريقة الأولى: طريقة التأصيل أو التصحيح.

الطريقة الثانية: طريقة التعميق.

ومعنى طريقة التصحيح: أن يصحح مفهوم التوحيد، ويصحح ما حوله من المفاهيم؛ حتى لا يقع فيها غبش ولا يقع فيها إشكال، ويحفظ للأمة دينها إلى قيام الساعة، فيعرف الإنسان ما هو توحيد مما هو شرك، ويميز الإنسان الإيمان عن الكفر، فهذه الطريقة تسمى طريقة التصحيح، وذلك لأن المفاهيم الشرعية -كالإيمان، وتوحيد الألوهية وغيرهما- دخل فيها غبش كثير بسبب الفرق الضالة، فاحتاج أهل السنة إلى أن يصححوا المفاهيم الشرعية للرد على الفرق الضالة، ولبيان المعتقد الصحيح من واقع الكتاب والسنة.

وهذه الطريقة الأولى هي الطريقة التي نسير عليها في شرحنا هنا.

وأما طريقة التعميق فهي: تربية القلب والتطبيق الفعلي لتوحيد الألوهية والإيمان، وذلك التطبيق منازل عظيمة، ولذلك ألف ابن القيم رحمه الله (مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين) يعني: في منازل العبودية، ومنازل العبودية هي نفسها منازل توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية هو نفسه توحيد العبودية، فأدخل فيها التوكل على الله، والمحبة، والرجاء، والصدق مع الله، والإخلاص، والتوكل والإنابة ونحو ذلك من المنازل العظيمة من منازل الإيمان التي تشرح الصدر وتنير العقل، وتنير للإنسان طريقه، وتجعله في أعلى درجات الإيمان.

وهذه الطريقة الثانية هي التي تربى عليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهور الفرق الضالة التي غيرت المفاهيم الشرعية، مثل: مفهوم توحيد الألوهية، أو مفهوم توحيد الأسماء والصفات، أو مفهوم الإيمان، فالصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا يدرسون الإيمان بأنه قول وعمل يزيد وينقص، وغير ذلك من التعريفات التي نقرؤها في متون العقيدة، وإنما كانوا يطبقون ذلك عملياً في حياتهم.

ودليل ذلك أن لقيط بن صبرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يضحك من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ) فلم يكتف لقيط بن صبرة إثبات صفة الضحك فقط، بل قال: (يا رسول الله! أو يضحك الرب؟! قال: نعم.

قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً) يعني أن الرب الذي يضحك لن نعدم منه الخير، فاستفاد منه عبادة قلبية، وهي الرجاء، والرجاء سيدفعه إلى المحبة، وهكذا منازل الإيمان يقرب بعضها من بعض.

فانظر كيف استفاد من توحيد الأسماء والصفات في رفعة الإيمان القلبي، ولهذا كان لابد من التنبه لهذه القضية، وبيان أن الدراسة تكون بطريقتين: طريقة التصحيح، وطريقة التعميق، ونحن بحاجة إلى دراسة التوحيد والإيمان بهاتين الطريقتين، ولا يصح الاكتفاء بواحدة دون الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>