[الدعوة إلى توحيد الألوهية]
السؤال
ما المقصود بالدعوة إلى توحيد الألوهية؟
الجواب
الدعوة إلى توحيد الألوهية هي حقيقة دعوة الرسل، فالرسل جميعاً يدعون إلى توحيد الألوهية، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] فعبادة الله واجتناب الطاغوت هما مفهوم (لا إله إلا الله) وهما توحيد الألوهية، وهذا يدل على أن التوحيد هو أول أمر يجب أن يبدأ به الإنسان في الدعوة إلى الله عز وجل.
وينبغي على الداعي إلى الله عز وجل أن تكون العقيدة محور دعوته، وأن يربط كل قضايا دعوته بالعقيدة؛ لأن العقيدة هي الأساس، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) وفي بعض الألفاظ: (إلى أن يوحدوا الله)، وهذا يدل على أن أول واجب يجب على الناس هو توحيد الله، وأول ما يجب أن ندعو إليه هو العقيدة والتوحيد.
وبهذا يتضح لنا فساد كثير من المناهج الضالة، ومن ذلك فساد حوار الأديان وحوار الحضارات، فنحن نسمع عن حوار الأديان وحوار الحضارات، وحوار الحضارات هو نفسه حوار الأديان، ولكن لما كان موضوع (الأديان) حساساً جاءوا بكلمة (الحضارات)، والحضارات هي التي تكون متبعة في الغالب لدين من الأديان، والطريقة التي عليها حوار الأديان ليست طريقة واحدة، وإنما هي طرق متعددة، فمن الناس من يدعو إلى توحيد الأديان بعضها مع بعض مع عدم الإنكار، فلا ينكر بعضهم على بعض ولا يكفر بعضهم بعضاً، وهذه الدعوة بهذا المفهوم شرك وكفر؛ لأن عدم تكفير أهل الكتاب من الكفر، هذا النوع الأول.
النوع الثاني: الدعوة إلى حوار الأديان، كما يحصل لكثير من الدعاة إلى الله عز وجل، حيث يقولون: نحن ندعو إلى حوار الأديان ولا نكفرهم، وإنما نسكت عن القضايا الخلافية، ونبحث في القضايا المشتركة بيننا، فمن القضايا المشتركة القضاء على الفقر -مثلاً- والمخدرات، والتعاون على رفع الظلم عن المظلومين والشعوب المضطهدة، وهكذا، وأما القضايا التي يكون فيها خلاف بيننا وبين اليهود أو بيننا وبين النصارى فلا نثيرها؛ لأننا إذا أثرناها يصبح هناك خلاف.
فهذا النوع من أنواع الحوار بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله كان بينهم وبين أقوامهم حوار، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يأتي إلى قومه كان يحاورهم.
والحوار عبارة عن ترديد الكلام، فأنا أقول كلاماً وهذا يقول كلاماً، فكيف كان حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه وهم من أهل الأديان؟ وكيف كان حوار الأنبياء السابقين مع أهل الأديان؟! لقد كان عن طريق دعوتهم إلى التوحيد، فقد كانوا يأتون إلى أقوامهم ويقولون لهم: ما أنتم عليه شركٌ أكبر، فلا بد من أن تتركوه، والواجب أن تسلموا لهذا الدين، ثم يقومون بإثبات هذا الدين بالأدلة التفصيلية، وإبطال دينهم بالأدلة التفصيلية.
أما حوارات الأديان الموجودة الآن فهي بدعة؛ لأنه يجتمع فيها مجموعة من القساوسة ومجموعة من المسلمين في مكان واحد، ولا يقول المسلمون للقساوسة: أسلموا، ولا يقولون لهم: هذا الدين خير لكم ونحن نثبت لكم بالبراهين والأدلة أن الإسلام دين صحيح وأن النصرانية دين فاسد، فهم لا يتناقشون في هذه القضايا، بل يتواصون على تركها ويتفقون، فيجتمع القساوسة والمسلمون في مكان واحد، ويقولون: لا نريد أن نثير الخلاف فيما بيننا، فأنتم لكم خصائص دينكم ونحن لنا خصائص ديننا، وأنتم ترون ديننا باطلاً ونحن نرى دينكم باطلاً، فلا نريد النقاش في هذا الموضوع؛ لأن هذا الموضوع يفرق، ونحن لا نريد أن نتفرق، بل نريد أن نجتمع، فيتناقشون في دفع الفقر، فيقولون: هناك بلدان كثيرة فقيرة علينا أن نتعاون في أن ندفع الفقر الموجود فيها.
أو يقولون: هناك شعوب مضطهدة نريد أن ندافع عنها، والمسلمون الذين يشاركون في حوار الأديان هدفهم هو أن يحركوا النصارى لإنكار عمل اليهود في فلسطين، ومع هذا ما استطاعوا، وربما وجدوا مجموعةً أنكرت ومجموعةً لم تنكر.
ومن أقوالهم: أننا نعيش في مرحلة استضعاف، وما دام أننا نعيش في مرحلة استضعاف فإن من الخطأ الكبير أن يكون بيننا وبين الحضارات الأخرى -مثل الحضارة الغربية- صدام، فنحن لا نستطيع الصدام.
فنقول: إذا لم تستطيع الصدام فإنك لا تستطيع الحوار كذلك؛ لأن القوي سيغلبك، فإنَّه بإمكاناته الاقتصادية والسياسية والإعلامية أقوى منك من كل وجه.
فالذين يدعون إلى حوار الحضارات يجرون في ركب الحضارات القوية ويتابعونها، ويقولون: نحن لا نريد الصراع بين الحضارات، مع أن الحقيقة أن الصراع مستمر بين الحق والباطل، سواءٌ أكان هذا الحق ديناً أم حضارةً، وسواء أكان الباطل ديناً أم حضارة، فلا بد من الصراع، ولكن الواجب هو الالتزام بالحق، والدفاع عنه، ودعوة الناس إليه بلغة صريحة، فيقال: ندعوكم إلى هذا الدين ذي البراهين الساطعة، و