للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم تفسير آية التوبة بانهيار برجي التجارة في أمريكا]

ما زالت الخرافات وتفسير القرآن بالطريقة غير المشروعة منتشرة، فقد جاءني أحد الإخوة بورقة مكتوبة فيها ما نصه: معجزة القرآن الكريم في انهيار برج التجارة العالمي في نيويورك بتاريخ ١١/ ٩/٢٠٠١م، والمكان شارع جرفٍ هار، والذي تحدث عنه رب العزة العلي القدير في القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة.

فهذا إما أن يكون إنساناً مغفلاً يتكلم في دين الله عز وجل وهو جاهل، وإما أن يكون إنساناً خبيثاً يريد أن يضلل الناس، والحقيقة أن المغفلين كثروا في الناس، والذين يتكلمون وهم جهال كثيرون مع الأسف، والواجب على الإنسان ألا يتكلم فيما لا يعرف ولا يحسن.

يقول: وقبل أن يأتي العالم بمبنىً في شارع جرف هار، عندما قال تعالى في سورة التوبة في الآية التاسعة بعد المائة: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:١٠٩] يقول: هذا في آية برقم مائة وتسعة، وتأتي سورة التوبة في الجزء الحادي عشر، وهو تاريخ يوم الانهيار، ورقم السورة تسعة، وهو شهر الانهيار، وعدد الحروف من بداية السورة إلى الآية التاسعة والمائة، ألفان وواحد، وهو تاريخ عام الانهيار، ورقم الآية مائة وتسعة، وهو عدد أدوار البرج، مع أنني سمعت أن عدد الأدوار مائة وعشرة وليس مائة وتسعة.

يقول: ورب العزة يتكلم قبل الحدث بألف وأربعمائة عام بالكلمات والأحرف القرآنية، سبحان الله، فنقول للملحدين: آمنوا، ولمن ليس لديهم دين: آمنوا بأن الله أخبرنا بكل الأحداث في القرآن قبل أن تقع بألف وأربعمائة على لسان نبي أمين اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، نرجو تصوير هذه المعجزة وإهداءها لكثير من الأحباب، وإن شاء الله تجزى عنها خيراً.

ووالله لن تجزى عنها إلا إثماً لا خيراً.

فانظر كيف يتلاعبون بالتفسير، وهل هذه الطريقة من طرق التفسير؟! وهل فسر النبي صلى الله عليه وسلم حدثاً من الأحداث في زمانه بهذه الطريقة؟! وهل فسر أحد من الصحابة القرآن بهذه الطريقة؟! وهل فسر أحد من العلماء المشهورين القرآن بهذه الطريقة؟ إن هذا التفسير لا يفسر به إلا الحمقى والمغفلون؛ لأنه إن قيل: إن الجزء الحادي عشر هو اليوم، فإنه يقال: لماذا لا يكون الشهر إذاً؟! وعلى أي أساس اختير اليوم دون الشهر؟! فهذه الآية تفسيرها الشرعي هو أن الله عز وجل يبين الفرق بين من أسس إيمانه تأسيساً صحيحاً على تقوى من الله عز وجل، وبين من كان عنده نفاق في قلبه، فشبهه بأنه مثل الذي يضع بنياناً على طرف حفرة ثمَّ يسقط هذا البنيان داخل الحفرة، فما علاقة البرجين بهذا؟! ثم إن المذكور هو جرف واحد، والبناء الذي سقط عمارتان لا واحدة.

إذاً: لا بد من دليل آخر على المبنى الآخر، فهذه الآية -حسب مذهبهم- دليل على العمارة الأولى، ولا ندري هل هي الشمالية أم الجنوبية؟ فليتخير واحدة منها، والثانية يحتاج لها إلى دليل ثانٍ، فليبحث في القرآن وليحسب في الحروف حتى يتعب.

إنَّ هذه الطريقة في التعامل مع القرآن طريقة فاسدة تشبه طريقة الباطنية، وهناك أناس ظهروا يسمون أصحاب الإعجاز العددي في القرآن، يعظمون الأحرف، حيث يقرأ الواحد منهم في مواضع من القرآن ويرى أنها مهمة، ويحسب حروفها ويبني عليها أشياء كثيرة جداً في الواقع وفي الأنفس وفي الآفاق وفي التاريخ، وهذه الطريقة عبث وهدم للقرآن الكريم، ويجب أن نحذر منها بقدر ما نستطيع، وأسأل الله عز وجل أن ينتقم ممن لعب بالقرآن وفسره بهذه الطريقة.

فهناك أشخاص كثيرون يريدون لهذه الأمة وللصحوة الإسلامية أن يتشتت طريقها، وأن تختلف توجهات أصحابها، فتراهم يجمعون أسماءً لله سبحانه وتعالى، ويجمعون أحرفاً معينة فيخلطون بينها ويقولون: هذا علاج، حتى إنه مرت فترة من الفترات على العلمانيين رأوا فيها توجه الناس إلى التدين، فبدءوا يتكلمون عن القبور والأضرحة، حتى يوجهوا العاطفة الدينية المتوجهة إلى الله وجهة فاسدة، وحينئذٍ لا يكون لها تأثير، وأشد ما يخافون منه هو التوجه إلى المنهج السلفي الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>