للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب قول الله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت) ودلالته على بطلان الشرك]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦].

وفي الصحيح عن أبي المسيب عن أبيه قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال له: يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة:١١٣].

وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦])].

هذا الباب عقده المصنف رحمه الله تعالى لبيان بطلان الشرك أيضاً، فهو يريد أن يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستحق العبادة مع الله سبحانه وتعالى، أو من دون الله، والسبب في كونه لا يستحق ذلك أنه مع شدة محبته لعمه وعظم منزلة عمه عنده لم يستطع هدايته، أي: هداية التوفيق والإلهام.

فهداية تصريف القلوب بيد الله، وليست بيد الخلق، والذي يستطيعه النبي صلى الله عليه وسلم من الهداية هو هداية الدلالة والإرشاد، فالهداية تنقسم إلى قسمين: هداية الدلالة والإرشاد، وهذا أمر يقدر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أثبته الله عز وجل له بقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢].

وأما النوع الثاني من الهداية فهو هداية التوفيق والإلهام، وهذه تتعلق بتصريف قلوب العباد، ولا يقدر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي المعنية بقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦].

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك تصريف قلوب العباد، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع فضله ومكانته ومنزلته لم يستطع أن يهدي عمه أبا طالب مع حرصه على هدايته ومع اجتهاده في ذلك ومع محبته لهدايته، فإن هذا يدل على أنه ليس إلهاً ولا يستحق أن يعبد من دون الله سبحانه وتعالى، ولهذا فإن مقام الألوهية لا يصح أن يرفع إليه أي أحد مهما بلغ عندنا من المحبة والتعظيم والمكانة والمنزلة.

وهنا مشكلة أحب أن أنبه عليها، وهي أن كثيراً من الناس عندما يسمع منا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستحق العبادة من دون الله، أو عندما يسمع أننا نقول -مثلاً-: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعبد من دون الله، أو لا يملك تصريف قلوب العباد، يظن أن في هذا قدحاً في النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ كبير جداً، فهذا ليس فيه قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذا إنزاله منزلته التي أنزله الله عز وجل إياها، بل إن رفعه إلى درجة الألوهية هو القدح في الرب سبحانه وتعالى الذي هو أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم.

وكثير من الناس لا يضبط موضوع محبة النبي ومحبة الولي ومحبة الصالح، فإذا رآك تقد جعل المخلوق -سواء أكان ولياً أم نبياً أم صالحاً- في مصاف الألوهية يظن أنك تبغضه، وهذا فهم فاسد ليس بصحيح، فلا يعني كون الإنسان لم يوصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى درجة الألوهية أنه مبغض أو أنه محتقر أو أنه منتقص للنبي صلى الله عليه وسلم، بل هذه أمور يشغب بها أهل البدع ويشغب بها القبوريون على أهل التوحيد، ويظنون أن ذلك مسوغ لعبادة الأولياء وعبادة الصالحين، أعاذنا الله وإياكم من الشرك.

فهدف الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عندما عقد هذا الباب هو بيان بطلان عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عبد النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الناس اليوم، فكثير من الناس يستغيثون به ويطلبون منه مغفرة الذنوب وكشف الكروب، ولهذا يقول البوصيري: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم وهناك قصائد كثيرة جداً لكثير من شعراء الصوفية يستغيثون فيها به ويطلبون منه مغفرة الذنوب وكشف الكروب التي لا تطلب إلا من الله سبحانه وتعالى.

فأراد الشيخ أن يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يملك هداية عمه أبي طالب، فكيف يعبد من دون الله؟! وهناك مسائل كثيرة تتعلق بشرح هذا الحديث، لكن ليست هي موضوعنا، وليست على شرطنا في شرحنا لهذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>