للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسماء والصفات وحكم من جحدها أو جحد شيئاً منها

قال المؤلف رحمه الله: [باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات.

وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠].

وفي صحيح البخاري: قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذّب الله ورسوله؟! وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات استنكاراً لذلك، فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه؟! ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠]].

توحيد الأسماء والصفات ثابت لله عز وجل، وهو نوع من أنواع التوحيد الثلاثة.

والأسماء الثابتة لله عز وجل هي الأسماء الحسنى، والمقصود بالحسنى: التي بلغت الغاية في الحسن والجمال والكمال لله سبحانه وتعالى، والصفات: هي الصفات العليا الثابتة لله سبحانه وتعالى، والصفات تنقسم إلى أقسام متعددة بحسب جهة التقسيم، فهي تنقسم باعتبار تعلقها بذات الله عز وجل إلى قسمين: صفات ذاتية، وصفات فعلية.

أما الصفات الذاتية: فهي الصفات التي لا تنفك عن الله عز وجل، ولا تتعلق بالمشيئة، مثل العلم، والحياة، والإرادة، والعينين، واليدين، والوجه، ونحو ذلك من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله عز وجل بأي وجه من الوجوه.

النوع الثاني من الصفات: الصفات الفعلية، وقد يعبّر عنها بعض العلماء بالصفات الاختيارية، وهي الصفات التي يفعلها الله سبحانه وتعالى بإرادته ومشيئته واختياره، فإذا شاء فعلها وإذا لم يشأ لم يفعلها، فهي متعلقة بمشيئة الله عز وجل، مثل الكلام، والضحك، والغضب، والنزول، والاستواء، ونحو ذلك من الصفات التي تسمى بالصفات الفعلية.

والصفات الفعلية تنقسم إلى قسمين: صفات لازمة لذات الله عز وجل ليس لها أثر متعد، وصفات متعدية إلى الخلق، وتسمى صفات الربوبية.

ومثال الصفات اللازمة: الضحك، والغضب، والنزول، والاستواء.

ومثال الصفات المتعدية: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، والتدبير، ونحو ذلك.

ومن جحد الأسماء والصفات ففي توحيده خلل؛ لأنه يجب أن يسمي الله بما سمى به نفسه وبما سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.

فمن جحد شيئاً من أسماء الله، أو من صفات الله سبحانه وتعالى فقد وقع في خلل وقدح ونقض للتوحيد، والجحد: معناه الإنكار.

والإنكار ينقسم إلى قسمين: إنكار تكذيب، بحيث يكذّب بأسماء الله عز وجل أو ببعضها، أو يكذّب بصفات الله عز وجل أو ببعضها، فالمكذِّب لو كذّب بصفة واحدة أو باسم واحد فهو كافر وليس بمسلم.

القسم الثاني: جحود من جحد شيئاً من أسماء الله عز وجل وصفاته، أو جحدها جميعاً يكون متأولاً، فعنده جحد التأول أو التأويل، وهذا النوع من أنواع الجحد يدخل في قاعدة تكفير المتأول التي سبق أن أشرنا إليها، وهي أنه إذا كان تأوله قريباً، وكانت عنده شبهة وإشكال من حيث اللغة فلا يكفر، وإنما يكون تأوله بدعة مخالفة لطريقة الصحابة رضوان الله عليهم وسلف هذه الأمة، وأما إذا كان تأوله بعيداً من حيث اللغة فهذا كفر مخرج عن الملة، والشيخ إنما ساق هذه الأدلة ليدلل على هذه القضية، ومن ذلك قول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠] فإنكار أسماء الله سبحانه وتعالى من صفات الكفار، فقوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠] يعني: لا يؤمنون به، ولهذا لما جاء سهيل بن عمرو قبل إسلامه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحديبية وكتب كتاب الصلح بينهم قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب: (اكتب باسم الله الرحمن الرحيم) فقال: أما الرحمن فلا نعرفه، قل: (باسمك اللهم)، ولهذا قال الله عز وجل عنهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠] وكفرهم بالرحمن لا يعني أنهم ينكرون وجود الله، وإنما يكفرون بالاسم، فهم يعترفون بوجود الله بدليل قول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥]، ولكن يكفرون بأن يكون هذا اسماً لله سبحانه وتعالى، وفي صحيح البخاري قال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟! ولهذا روي عن ابن مسعود أنه قال: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.

وهذه الآثار ساقها الشيخ هنا ليبيّن أن كثير من الناس ممن يتكلم في الأسماء والصفات قد لا يحسن الكلام فيها، فيشكك الناس فيها، ولا يعني هذا أننا لا نتكلم مع الناس في الأسماء والصفات، فالقرآن مليء بالأسماء والصفات، والسنة

<<  <  ج: ص:  >  >>