للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشرك بتعبيد الأسماء لغير الله تعالى]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠] قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبدٍ لغير الله، كعبد عمرو، وعبد الكعبة وما أشبه ذلك، حاشى عبد المطلب، وعن ابن عباس في الآية قال: لما تغشاها آدم حملت فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة، لتُطيعُنَّني أو لأجعلن له قَرَنْي أيلٍ، فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلن ولأفعلن -يخوفهما-، سِّمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله وأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما، فأدركهما حب الولد فسمِّياه عبد الحارث، فذلك قوله تعالى: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠]، رواه ابن أبي حاتم، وله بسند صحيح عن قتادة قال: شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته، وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} [الأعراف:١٨٩] قال: أشفقا أن لا يكون إنساناً، وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما].

هذا الباب عقده الشيخ محمد عبد الوهاب في مسألة التعبيد لغير الله سبحانه وتعالى في الأسماء، فالأصل في التعبيد هو أن يعبد لأسماء الله سبحانه وتعالى، وأما التعبيد لغير أسماء الله عز وجل فلا يجوز بإجماع العلماء، كما حكى ذلك ابن حزم رحمه الله, والإجماع حجة، والدليل على حجية الإجماع هو قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥]، فالإجماع حجة.

وأما اسم عبد المطلب فاختلفوا فيه، وانقسموا بذلك إلى فريقين، ففريق قالوا: لا يجوز، وهذا هو الصواب، لدخوله في التعبيد لغير الله.

وفريق قالوا: بل يجوز، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) فرد عليهم الأولون بأن هذا ليس المقصود منه الإباحة، وإنما هو حكاية للواقع، لأن اسمه عبد المطلب فعلاً، فكونه يحكي أن اسمه عبد المطلب ليس فيه إباحة ذلك.

فالصواب هو عدم جواز التسمي بعبد المطلب، أما ما يتعلق بالآية وسبب نزولها فالصحيح أن الآية معناها عام.

وقوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف:١٩٠] يعني الذكر والأنثى، وليس المقصود به آدم وحواء، وقوله: (آتاهما) الضمير هنا عائدٌ على الذكر والأنثى من بني آدم، (جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا)، وذلك يكون عن طريق نسبة هذه النعمة إلى غير الله سبحانه وتعالى، أو أنهما ربياه على الشرك أو نحو ذلك مما ذكره المفسرون.

وأما تفسير هذه الآية بالقصة الواردة هنا في آدم وحواء فلا يصح؛ لأن القصة غير صحيحة لعدة أمور.

أولاً: أن كل الآثار الواردة فيها -كما قال ابن كثير - هي من الآثار الإسرائيلية، ولم تثبت بسندٍ صحيح.

ثانياً: أنه لا يصح تصور ذلك في حق آدم عليه السلام، فهو نبي معصوم من الشرك لا يمكن أن يقع منه الشرك كما تصور هذه الرواية.

وهناك اعتبارات أخرى يمكن مراجعتها في كتاب (القول المفيد) للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>