[الرد على شبهة التفريق بين عبادة الأصنام وعبادة الصالحين]
الشبهة الثانية: تتعلق بالمقارنة بين معبود المشركين ومعبود القبوريين، حيث يقول هؤلاء القبوريون: كيف تقرنون بيننا وبين المشركين الأولين، مع أن المشركين الأولين كانوا يعبدون الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام، وكيف تجعلون الصالحين والأنبياء كالأصنام؟! فالأصنام -ولو قال المشركون: إنها تقربهم إلى الله زلفى- لا تقرب إلى الله في الحقيقة، وأما الأنبياء فيختلفون عن الأصنام، فإنهم سيقربوننا حقيقة؛ لأن لهم جاهاً حقيقياً عند الله سبحانه وتعالى! والإشكال في هذه الشبهة هو أنهم ظنوا أن المشكلة التي وقع فيها المشركون الأوائل هي في كونهم اتخذوا آلهة من الأصنام الصماء التي لا تضر ولا تنفع، أما هؤلاء اتخذوا آلهة من الأنبياء والصالحين الذين لهم مكانة.
والرد عليهم يكون من وجهين: الوجه الأول: أن نقول: إن حقيقة الشرك واحدة، سواء صرفت لصنم ووثن أصم، أو صرفت لنبي له جاه ومكانة، فعبادة غير الله واحدة.
الوجه الثاني: أن نقول: إن الله عز وجل بين في القرآن أن من المشركين من كان يعبد الأنبياء، ومنهم من كان يعبد الصالحين، ومنهم من كان يعبد الملائكة، يقول الله سبحانه وتعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء:٥٧]، فهذه الآية نزلت في قوم كانوا يعبدون قوماً من الجن، وكان هؤلاء الجنيون المعبودون يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى، أي: كانوا من الصالحين وكان أولئك يعبدونهم.
فهؤلاء عبدوا جناً صالحين، ومع ذلك اعتبرهم الله عز وجل من المشركين، فالتفريق بين الأصنام والأنبياء والصالحين ليس له مسوغ، يقول الله عز وجل:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[المائدة:٧٥ - ٧٦]، فهذه طائفة -وهم النصارى- يعبدون المسيح من دون الله، والمسيح نبي من الأنبياء، ومع ذلك لم يعذرهم الله عز وجل بكونه نبياً، فالله عز وجل ما كفر المشركين لعبادتهم الأصنام لأنها حجارة صماء، بل لأن الذي يعبد نبياً أو ولياً أو صالحاً لا يكون معذوراً، فالعبادة في حقيقتها واحدة، سواء صرفت هنا أو هنا.
فهذه الآيات تدل على أنه ليس هناك فرق بين من يعبد الأصنام وبين من يعبد الأولياء والصالحين، كما أنها تدل على أن هناك طائفة كبيرة من المشركين كانوا يعبدون الأنبياء، والأولياء، والملائكة، والجن، والصالحين، ومع ذلك اعتبرهم الله عز وجل كفاراً.