للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله.

وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١] قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت).

ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً: (ليس منا من ضرب الخدود، أوشق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية).

وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).

حسنه الترمذي.

] هذا الباب يتعلق بموضوع الصبر على أقدار الله سبحانه وتعالى، والصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة.

وعكس الصبر على أقدار الله: السخط من أقدار الله، فالصبر على أقدار الله من الإيمان، والسخط يدخل في الكفر، وسيأتي الحديث عن أنواع السخط، وما يترتب عليها من الأحكام.

فأما الصبر على أقدار الله عز وجل فلا شك في أنه من الإيمان، والصبر عموماً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم نصف الإيمان يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١]، والمقصود بالإيمان هنا: الإيمان بالقدر، ولهذا فسّرها علقمة بذلك كما سيأتي، فقوله تعالى: ((يَهْدِ قَلْبَهُ)) يعني: يجعل قلبه مهتدياً مطمئناً؛ لأن الإنسان إذا صبر على قدر الله عز وجل المؤلم فإنه يطمئن قلبه بذلك.

وعلقمة هو ابن وقّاص، وهو من علماء الكوفة، ومن أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، قيل: إنه صحابي، وقيل: إنه تابعي، والصحيح أنه تابعي.

يقول رحمه الله تعالى: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.

فالإنسان إذا أصابته المصيبة فإنه يجب عليه الصبر، ويستحب له الرضا، والفرق بين الرضا والصبر.

أن الصبر يكون مع وجود الألم والتعب والمشقة النفسية.

وأما الرضا فإنه درجة عالية في الإيمان تجعل الإنسان راضياً بما قدره الله عز وجل وقضاه من هذه المصيبة التي جاءته، ويمكن أن يسمى الرضا عن الله سبحانه وتعالى في أقداره.

وأما الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اثنتان في الناس هما بهم كفر) فإن كلمة (كفر) هنا جاءت نكرة، وقد سبق أن بيّنا أنه إذا وصف العمل أو القول بأنه كفر وكان اللفظ معرفاً بـ (أل) فإنما يقصد به الكفر والشرك الأكبر، وأما إذا كان نكرة فإنه يقصد به الكفر الأصغر والشرك الأصغر.

فالأولى: (الطعن في النسب)، والمقصود بالطعن في النسب عيب الأنساب، كأن يعيّر قبيلة كذا بكذا، أو يعيّر هذا الشخص بوالده أو بوالدته أو بجد له، فهذا كله طعن في نسبه.

الثانية: (والنياحة على الميت) والنياحة على الميت نوع من أنواع السخط، والنياحة على الميت تكون بالقول، وسميت نياحة أخذاً من نوح القمري، وهو صوت للحمامة عندما تغرد، وذلك أن الشخص إذا مات له ميت فبدأ بالبكاء والصياح واستمر فإنه يُخرِج صوتاً كهذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>