للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إبطال الشرك]

أما إبطال الشرك فجاء من طريقين: الطريقة الأولى: تجريد الشركاء والآلهة المعبودة من دون الله من صفات الربوبية، وهذا الإبطال عكس لذاك الإثبات، فعندنا موضوع إثبات استحقاق الله عز وجل للعبادة، وهذا الموضوع الاستدلال بتوحيد الربوبية على أن الله هو المستحق للعبادة.

وأما في موضوع الإبطال فإننا نجد الشركاء ليسوا أرباباً، فهذا يدل على بطلان كونهم آلهة.

والاستدلال الثاني هو الاستدلال بكون الله عز وجل هو الكامل كمالاً مطلقاً، والاستدلال بتوحيد الأسماء والصفات على كونه منفرداً بالألوهية والعبودية، فيستدل بعكسه على إبطال الشرك، فنقول: كون الآلهة ناقصة وعاجزة وليس لها صفات الكمال يدل على أن عبادتها باطلة.

قال المؤلف رحمه الله: [باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف:١٩١ - ١٩٢]].

وجعلها عنواناً للباب ليبين أن الآلهة التي تعبد من دون الله آلهة باطلة لا تستحق العبادة.

والدليل على أنها لا تستحق العبادة هو قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا} [الأعراف:١٩١] فهم -أولاً- لا يخلقون شيئاً.

ثانياً: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف:١٩١] فكيف يُعبد المخلوق والمخلوق لا يُعَبد؟! ثالثاً: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا} [الأعراف:١٩٢] فهذه الآلهة لا تستطيع أن تنصر من يعبدها إذا نزل به البلاد.

رابعاً: {وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف:١٩٢]، فهذه الآلهة لا تنصر نفسها، فهي لا تملك أسس استحقاق العبادة، وهي الملك المطلق، والتدبير المطلق، فهذه الآلهة ليست آلهة مستحقة للعبادة بل هي آلهة باطلة، ودليل البطلان في قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ} [الأعراف:١٩١] فهذا استفهام إنكاري يتضمن النفي، يعني: لا يصح أن يشركوا.

وقوله تعالى: {وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف:١٩٢] يعني: لو أنها دمرت فإنها لا تستطيع أن تواجه من يدمرها، ولهذا كسرها إبراهيم عليه السلام وعلق الفاسق على الصنم الكبير، فلما جاءوا إليه قالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟ فقال: بل فعله كبيرهم هذا.

ثم قال لهم: اسألوهم إن كانوا ينطقون.

يعني: كيف تكون آلهة وهي لا تستطيع أن تدفع الضر عن نفسها، وإذا كانت لا تستطيع أن تدفع الضر عن نفسها فمن باب أولى ألا تستطيع أن تجلبه لغيرها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٣ - ١٤]].

هذه الآية تدل على بطلان الشرك بنفس الطريقة السابقة التي ذكرناها، حيث يخاطب الله عز وجل المشركين بقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر:١٣] فنفى عنهم الملك، والقطمير: اللفافة التي تكون على النواة، وليس المقصود بالملك المنفي هنا ملك اليد، بل المقصود أنهم لا يستطيعون خلقها وتدبيرها وملكها الدائم، وإنما هو ملك ناقص غير تام، وجاء بكلمة (قطمير) ليبين أقل أنواع الملك.

ثم قال تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} [فاطر:١٤]، وهذا هو الوصف الثاني الذي يدل على نقصان هذه الآلهة، وهي أنها لا تسمع الدعاء، ولهذا يخبر الله عز وجل عن إبراهيم في قوله لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:٤٢] يعني: كيف تعبد ما لا يسمع؟! إله لا يسمع، وإله لا يبصر، وإله لا يغني عنك شيئاً، كيف تعبده؟! وهذا يدل على أن الإله إذا كان موصوفاً بالنقص فإنه لا يكون إلهاً حقيقياً صحيحاً.

وكل من يعبد غير الله عز وجل فهو في ضلال، فالذين يأتون إلى أصحاب القبور ويدعونهم من دون الله تستطيع بكل يسر بطريق عقلي صحيح أن تبطل عبادتهم، فتقول: يا فلان! هذا الإنسان لو كان ينفع ويضر لأغنى عن نفسه شيئاً، ولم يمت، فكيف تعبده وقد مات؟! ولهذا كان أغبى أنواع العبادات عبادة الموتى، وعبادة الأحياء الذين لديهم سلطان ولديهم قدرات قد تكون أقرب إلى العقل مع كونها فاسدة، ولكن صاحبها أخف شأناً من الذي يعبد ميتاً لا يغني عن نفسه، ولو كان يغني شيئاً لدفع الموت عن نفسه، ولهذا قال تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر:١٤].

وهذا يسمونه التنزل في الخطاب، فهم لن يسمعوا، {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر:١٤] والهدف منه إثبات عدم استجابتهم.

قال تعالى: (

<<  <  ج: ص:  >  >>