للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستسقاء بالأنواء وأقسامه وأحكامه]

الاستسقاء معناه: طلب السقيا بالأنواء، والأنواء: جمع نوء، والنوء: هو النجم، فالاستسقاء بالأنواء معناه: طلب السقيا من النجوم، وطلب السقيا من النجوم ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يطلب السقيا من النجوم على اعتبار أنها سبب.

الثاني: أن يطلب السقيا منها على اعتبار أنها مؤثرة، وهذا يلحق بالكلام الذي سبق الحديث عنه في موضوع التنجيم، فالتنجيم ينقسم إلى قسمين: تنجيم يعتقد أصحابه أنه له تأثير في الأرض وفي الناس، وأن هذا التأثير ليس على أساس أنه سبب وإنما هو تأثير مستقل، فهذا شرك في الربوبية.

والقسم الثاني: تنجيم يعتقد أنه سبب، فاعتقاد أنه سبب شرك أصغر؛ لأنه زعم في شيء من الأشياء أنه سبب وهو ليس بسبب، وفي حالة واحدة يعتبر شركاً أكبر، وهو إذا طلب السقيا من النجوم بقوله: يا نوء كذا! اسقنا، فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأن الاستسقاء وطلب السقيا من جنس الدعاء، وذلك لا يقدر عليه إلا الله، فإذا طلبه من غير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، أما إذا نسب هذا الأمر إلى الأنواء على أنها سبب فهو شرك أصغر؛ لأنه نسب السقيا إلى النجوم على أنها سبب، وهي -في الحقيقة- ليست بسبب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء.

وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:٨٢].

وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)، وقال: (النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب)، رواه مسلم، ولهما عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب).

ولهما من حديث ابن عباس معناه، وفيه: قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:٧٥]، إلى قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:٨٢]].

هذا الباب فيه ذكر النوعين الذين سبق أن أشرنا إليهما، فطلب السقيا من النجوم شرك أكبر، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أمر الجاهلية.

وأما نسبة السقيا إلى النجوم والأنواء فهي من الشرك الأصغر.

وفيه مأخذ آخر، وهو نسبة النعمة إلى غير الله عز وجل، وهذا الأمر سيأتي الحديث عنه -بإذن الله تعالى- عند حديثنا عن الشرك في الربوبية والأسماء والصفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>