للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السخط على الأقدار وخطره على التوحيد]

والسخط على قدر الله عز وجل يكون على ثلاثة أنواع: السخط بالقلب واللسان والجوارح.

فأما السخط بالقلب فهو بغض قدر الله عز وجل، أو بغض الله سبحانه وتعالى بسبب هذا القدر الذي حصل، وهذا كفر أكبر مخرج عن الملة؛ لأنه مناقض للمحبة، وقد سبق أن بيّنا أن من شروط (لا إله إلا الله) محبة الله سبحانه وتعالى، وأن من زالت عنه محبة الله فأبغض الله عز وجل فهو كافرٌ ولا شك في ذلك.

وأما النوع الثاني من السخط على القدر فهو السخط باللسان والكلام، كالصياح مثلاً، أو ذكر محاسن الميت، ونحو ذلك، وهذا يعتبر من الكفر والشرك الأصغر، ووجه اعتبارنا له من الشرك أو الكفر الأصغر هو وصف النبي صلى الله عليه وسلم له بالكفر، فإنه قال: (هما بهم كفر) فالنبي صلى الله عليه وسلم وصفه بالكفر، وبناء على هذا فإنه يكون من الكفر الأصغر.

وأما السخط بالجوارح فمثل شق الجيوب، ولطم الخدود، فهذا تسخط بالفعل، وهو -أيضاً- يدخل في الكفر؛ لكونه تسخُط على قدر الله عز وجل، إلا أنه ليس من الكفر الأكبر، بل من الكفر الأصغر.

قوله: (ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)).

قوله: (ليس منا) من ألفاظ الوعيد، فيحتمل أن يكون كفراً أكبر، ويحتمل أن يكون كفراً أصغر، والمقصود به هنا الكفر الأصغر لا الكفر الأكبر، وهذا يدل على أن عكس السخط -وهو الصبر على أقدار الله- واجب؛ لأن عكسه -وهو السخط- محرم، ولهذا عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك اعتبره من الكبائر فقال: (ليس منا من ضرب الخدود) وهو واضح، (وشق الجيوب) وهو شق جيب القميص، وهو مدخل الرأس في القميص.

قوله: (ودعا بدعوى الجاهلية) يحتمل أن يكون المقصود به ما كان عند الجاهلية من دعاوى في ذكر محاسن الموتى، وقد كانوا يستأجرون نوائح للبكاء على الميت، ويندبونه ويذكرون محاسنه.

وأما حديث أنس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له بالعقوبة في الدنيا) وهذا دليل على أن العقوبة إذا حصلت للإنسان في الدنيا وصبر واحتسب فإنها خير له؛ لأنها تكفير لذنوبه وخطاياه.

قال: (وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة)، وهذا من الاستدراج والعياذ بالله.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء)، فمن ابتلي ببلية فلا يعني ذلك بالضرورة أن تكون عقوبة على معصية، وإنما قد تكون رفعة له في الدرجات، وقد تكون تكفيراً لذنوبه، فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عظم الجزاء مع عظم البلاء) معناه أنه إذا كان البلاء عظيماً فصبر فإن الجزاء يكون عظيماً، وليس مجرد وجود البلاء العظيم كاف في عظم الجزاء؛ لأنه قد يبتلى ببلاء عظيم ثم يسخط ولا يصبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>