للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على شبهة إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم لطلبها منه في الدنيا]

الشبهة الخامسة: شبهة طلب الشفاعة، فإنهم يقولون للموحد: هل تنكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فيقول لهم الموحد: لا، فيقولون له: إذاً: نحن نطلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يملك الشفاعة.

والرد عليهم أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الشفاعة الآن ولا يملكها في القبر، وإنما يملكها يوم القيامة بعد أن يسجد بين يدي الله عز وجل ويدعو بما ييسره الله عز وجل له، ثم يقول الله له: (ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع)، أما قبل ذلك فإنه لا يملكها.

فإذا قال لنا: ما هو الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك لا يملكها؟ نقول: الله عز وجل يقول: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:٤٤]، فالله عز وجل يحصر الشفاعة له، فهو مالك الشفاعة لا يعطيها إلا يوم القيامة في وقت محدد، وبناء على هذا فالذي يطلبها منه في الدنيا فإنه يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم مالا يملك، وكذلك الذي يطلبها من المقبور يطلبها ممن لا يملك هذه الشفاعة.

ولهذا لم يطلب أحد من الصحابة رضوان الله عليهم الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وهو حي، وإنما كانوا يطلبون منه أن يدعو الله لهم، أما الشفاعة فإنها تكون يوم القيامة.

الرد الثاني: أن يوم القيامة لا يشفع فيه الرسول فقط، بل الملائكة يشفعون، والشهداء يشفعون، والصالحون يشفعون، والعلماء يشفعون، فلماذا لا تطلبون هذه الشفاعة منهم الآن أيضاً؟! فإن قالوا: نعم نطلبها منهم الآن، نقول: وقعتم في الشرك الذي وقع فيه المشركون، كما قال الله عز وجل: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨]، وحينئذ يلزمكم أن تعبدوا وأن تطلبوا الشفاعة من هؤلاء جميعاً، وهم لا يقولون بذلك، وإن قالوا: إنا لا نطلب من هؤلاء الأولياء من الصالحين والشهداء والملائكة الشفاعة الآن؛ لأنهم لا يملكونها الآن، فإننا نقول: وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لا يملكها الآن، وإنما يملكها يوم القيامة، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره لا يملك الشفاعة الآن هو أن الله عز وجل بين أن الشفاعة عنده لا تنفذ ولا تنفع إلا بإذنه، فإذا كان الإنسان يطلبها من النبي صلى الله عليه وسلم الآن وتحصل له فما هي فائدة ربطها بالإذن؟! فهذا يدل على أن الشفاعة لا تملك الآن.

الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في قصة الحشر والبعث يوم القيامة إذا اجتمعوا بين يدي الله عز وجل قوله: (أنا أول شافع وأول مشفع)، والأولية هنا في قوله: (أنا أول شافع)، تدل على أنه لو كان هناك أحد يشفع الآن في زمن البرزخ أو في زمن الحياة لما كان هو الأول، فقوله: (أنا أول شافع) يدل على أن الشفاعة لا تكون إلا يوم القيامة بعد إذن الله سبحانه وتعالى ورضاه عن المشفوع.

وهذا يدل على أن عقيدتهم في الشفاعة عقيدة فاسدة وباطلة، ونحن لا ننكر الشفاعة المثبتة التي أثبتها الله عز وجل وأثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم بشروطها الشرعية يوم القيامة بعد إذن الله ورضاه عن المشفوع، وأما طلبها الآن فلا شك في أنه شرك؛ لأنه طلب من المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>