للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب ما جاء في الرقى والتمائم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الرقى والتمائم.

في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أنه: (كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت)].

سبق أن بينا أنهم كانوا يجعلون القلائد على الجمال والدواب وعلى الأطفال وعلى أنفسهم يتقون بها العين، وهنا مسألة لا بد من التنبيه عليها، وهي أن التمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: تمائم ليس في حكمها خلاف، وهي التمائم التي تكون من الأحجار أو الودع أو الخيوط ونحو ذلك، ويدخل في ذلك ما يضعه بعض الناس في سياراتهم مثل العرائس ونحوها يتقون بها العين، وبعضهم قد يجعل في درج غرفة النوم شيئاً من الأشياء يظن أنه يدفع عنه العين، فكل هذه من التمائم ولو اختلفت صورها وأشكالها؛ لأن حقيقتها واحدة.

القسم الثاني: تعليق القرآن، وهو مختلف فيه، فلو أن إنساناً علق في رقبته مصحفاً يتقي به العين، أو من أجل أن يزيل عنه مرضاً به؛ فهذه المسألة وقع فيها خلاف بين السلف رضوان الله عليهم، فمنهم من جوزها وأباحها؛ لأن القرآن مما يستشفى به، والصحيح من أقوال أهل العلم -وهو مذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما منع ذلك؛ لأن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في التمائم عامة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عنه أنه شرع للناس أن يعلقوا هذه التمائم من القرآن، ولأن القرآن أنزله الله عز وجل للتدبر ولم ينزله للتعلق، ولأنه إذا وضع في رقبة الإنسان أو في رقبة دابة من الدواب؛ فإن هذا مدعاة للاستهانة به، ولأن الشفاء المقصود بالقرآن هو بتلاوته وقراءته والرقية به، وليس المقصود تعليقه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الاستشفاء به ووضحه عليه الصلاة والسلام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).

رواه أحمد وأبو داود].

هذا واضح في أن الرقى منها ما يكون شركاً، وهناك أحاديث كثيرة تدل على أن الرقى منها ما يكون شرعياً، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى ورقي، ومنها أنه قال: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) فقسم الرقى إلى قسمين: قسم لا بأس به، وقسم به بأس، وهو الشرك.

وأما التولة فهي نوع من أنواع السحر وهو سحر العطف؛ إذ السحر ينقسم إلى قسمين: صرف وعطف، فالعطف هو جمع بعض القلوب على بعض، والصرف صرف بعضها عن بعض، والتولة: اسم لسحر العطف الذي يحبب بعض الناس إلى بعضهم، وقد فسره الشيخ بذلك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن عبد الله بن عكيم مرفوعاً: (من تعلق شيئاً وكل إليه).

رواه أحمد والترمذي].

وأحاديث ابن مسعود وحديث عبد الله بن عكيم كلها صحيحة محتج بها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التمائم: شيء يعلق على الأولاد من العين، لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه].

لأنه في حديث بريدة بن الحصيب (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الرقى من العين والحمى)، والحمى: هي لدغة العقرب أو الحية التي يكون فيها السم، بل إنه عليه الصلاة والسلام رخص فيما هو أوسع من ذلك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التولة: شيء يضعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.

وروى أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع! لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإن محمداً بريء منه)].

وهذا حديث صحيح، وموطن الشاهد منه قوله: (أو تقلد وتراً) يعني: لدفع العين أو رفع البلاء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة.

رواه وكيع.

وله عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن].

إبراهيم هو النخعي، وهو من فقهاء الكوفة، وقوله: (كانوا) يعني أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>