للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على شبهة إشراك المشركين الأولين في توحيد الربوبية]

الشبهة الثالثة: تتعلق بمسألة حقيقة شرك المشركين، فنحن قد ذكرنا أن حقيقة شرك المشركين كانت في توحيد الألوهية، وكان المشركون يقرون بتوحيد الربوبية كما سبق أن بينا، ويدل على ذلك أدلة كثيرة جداً، فهذه الشبهة الثالثة هي أنهم يناقشون في ذلك ويقولون: المشركون الأولون كانوا يشركون في الربوبية، ولهذا اعتبرهم الله عز وجل من المشركين؛ لأنهم قدحوا في توحيد الربوبية.

والرد عليهم أولاً بأن نستدل بالآيات الواردة في إثبات أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وقد سبقت.

ثانياً: نستدل عليهم ببيان غرض المشركين من عبادتهم لهذه الأصنام، يقول الله عز وجل عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨].

إذاً: كانوا يعرفون أن الله هو الخالق، الرازق، وكانوا يتخذون هذه الآلهة لتشفع لهم عند الله.

ثالثاً: أن الذي يتتبع واقع المشركين في أشعارهم، وأخبارهم، وأحوالهم، يعلم أنهم كانوا يعرفون الله؛ لأنهم كانوا يعظمون البيت، وكانوا يطوفون به عرايا، والسبب في طوافهم عرايا هو أنهم كانوا لا يريدون أن يطوفوا بالبيت بثياب أخذوها من الحرام تعظيماً لله، وكانوا يعرفون الأشهر الحرم ويحرمونها، وكانوا يسقون الحجاج، وكان الحجاج من كل الجزيرة العربية يأتون ويطوفون بالبيت، ويسعون، ويذهبون إلى منى، وإلى مزدلفة، ثم تذهب عامة العرب إلى عرفات، ويبقى القرشيون في مزدلفة ويقولون: نحن الحمس لا نخرج من الحرم تعظيماً له، ثم يعودون مرة أخرى، وكان الرجل إذا وجد غريماً له قتل أباه أو أخاه في الحرم لا يقتله أبداً تعظيماً للحرم.

ولهذا لما ذهب عبد المطلب إلى أبرهة قال له: كيف تسألني عن أبل وأنا جئت لأهدم كعبتكم؟ فقال: أنا رب أبلي وللبيت رب يحميه.

فكل هذا يدل على أنهم كانوا يعرفون الرب، ويعرفون الله، ويعرفون أنه هو المتفرد بالخلق، والرزق، والتدبير، لكن جعلوا هذه الأصنام وسائط بينهم وبين الله.

فالذي يريد أن ينكر حقيقة شرك المشركين عليه أولاً أن ينكر الآيات الدالة على ذلك، وينكر الآيات التي تدل على طبيعة شركهم وأنها في الشفاعة، وينكر حقائق التاريخ.

ومن أعجب ما وقفت عليه لهؤلاء القبوريين في رد الآيات الواردة الصريحة في أن المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق ما قاله محمد علوي المالكي في كتاب (مفاهيم يجب أن تصحح) لما جاء إلى قول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥]، قال: (هذا قاله المشركون وهم كذبة) أي أن المشركين قالوا هذا الكلام وهم كاذبون في قولهم.

فنقول له: كيف عرفت أنهم كانوا كاذبين؟ فإن قال: لأنهم مشركون، فيكون شركهم معارضاً للتوحيد، وحقيقة التوحيد هي توحيد الربوبية، فكيف يعترفون بأن الله هو الخالق، الرازق؟! فلا بد من أن يكونوا كذبة.

إن قال ذلك قلنا له: فلماذا لم يكذبهم الله في الآيات؟! وكيف يسكت الله عن ذلك؟ ثم إن هناك آيات أخرى كثيرة تدل على ذلك، ثم إن الواقع التاريخي يدل على ذلك، لكن الإنسان إذا كان في قلبه مرض، وكان يريد أن يصل بشبهته إلى شهوته فسيكون من هذا النوع، والعياذ بالله.

وعلى هذا عامة الصوفية المتأخرين من القبوريين وإن لم يكن كل الصوفية، ففي الصوفية من لم يصل إلى هذه الدرجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>