للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ما جاء في التنجيم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في التنجيم.

قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينةً للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به].

التنجيم: هو الاستدلال بالنجوم، فينقسم إلى قسمين: القسم الأول: الاستفادة من النجوم في جعلها علامات يهتدى بها، كما حقق ذلك قتادة رحمه الله؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:١٦]، فإذا كان استخدامها لهذا الغرض فلا إشكال فيه، فهو جائز، ولهذا استقرأ قتادة رحمه الله فائدة النجوم في القرآن فوجدها أنها ثلاثة أنواع: الأمر الأول: أنها زينة للسماء.

والأمر الثاني: أنها رجوم للشياطين.

والأمر الثالث: أنها علامات، أما من جعلها لغير ذلك فقد أخطأ، وهو النوع الثاني.

النوع الثاني: هو اعتقاد أن هذه النجوم لها تأثير في الحوادث الأرضية، فيرتبون عليها اعتقادات، ويعتقدون أن هذه النجوم تؤثر في الحوادث الأرضية، وذلك لا يجوز واعتقاد أن النجوم تؤثر في الكائنات الأرضية نوعان: النوع الأول: أن يعتقد أنها تؤثر بذاتها، بحيث يعتقد أن النجم له قدرة في التأثير على الأرض، سواءٌ بالتأثير على الإنسان أو بالتأثير على النبات أو بالتأثير على الحيوان، فمن اعتقد أن النجوم لها تأثير على الإنسان والحيوان والنبات من الكائنات الأرضية فهذا شرك أكبر.

النوع الثاني: أن يعتقد أن هذه النجوم هي أسباب خلقها الله عز وجل للتأثير في الأرض، فهذا ليس شركاً أكبر، بل هو شرك أصغر؛ لأنه اعتقد شيئاً من الأشياء سبباً وهو ليس بسبب، وأصل اعتقاد أن النجوم لها تأثير في الكائنات الأرضية مأخوذ عن الفلاسفة والصائبة القدماء قوم إبراهيم عليه السلام، فقد كانوا يعتقدون أن هذه الكواكب ليست أجراماً، وإنما هي عبارة عن نور وروح، ولهذا يعتقدون أن الكون منبثق عنها، فيعتقدون أن القمر نتج عنه هذا العالم الذي نعيش فيه الآن، هذا هو أصل معتقدهم، ولهذا دعاهم إبراهيم عليه السلام إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وبين لهم أن النجوم لا تؤثر، كما تقرأ في القرآن {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [الصافات:٨٨]، فأراد أن يبين لهم بطلان تأثير هذه النجوم على الكائنات الأرضية، ولهذا ذكر الله تعالى مناظرة إبراهيم عليه السلام معهم في سورة الأنعام عندما رأى شمساً بازغة فقال: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام:٧٦]، وعندما رأى القمر بازغاً قال: ((قَالَ هَذَا رَبِّي)) فهذه المناظرة تدل على إبطال عبادتهم للكواكب واعتقاد أنها أسباب مؤثرة في الكائنات الأرضية.

وأما من اعتقد أنها علامات للفصول ومواسم الزراعة، ولم يعتقد أن النجم بنفسه مؤثر فلا شيء عليه، كاعتقاد حدوث وقت الصباح عند طلوع الشمس، فإذا جاءت في الوسط جاء وقت الظهر، فإذا ذهبت جهة الغرب جاء وقت العصر مثلاً، فإذا كان ذلك من باب التوقيت فلا شيء في ذلك، وإنما يكون من الشرك إذا اعتقد التأثير، سواءٌ أكان تأثيراً مطلقاً -وهو من الشرك الأكبر- أم كان تأثيراً سببياً تحت إرادة الله عز وجل وقدرته، فهذا شرك أصغر وليس بشرك أكبر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.

وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.

وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر).

رواه أحمد وابن حبان في صحيحه].

قوله: [وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق] المقصود بذلك: تعلم منازل القمر للحساب، ومعرفة الفصول ومعرفة الأوقات، وإنما كره من كره ذلك من أهل العلم لكيلا يكون فيه تشبه بأصحاب النجوم الذين يستدلون بها على التأثير، كالحوادث الأرضية، وليس المقصود اعتقاد التأثير في الحوادث الأرضية، فهذا لا شك في أنه لا يجوز، وأنه من التصديق بالسحر الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم أن فاعله أحد الذين لا يدخلون الجنة، وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن أصل موضوع التنجيم يدل عليه أحاديث كثيرة.

وبهذا نكون قد انتهينا من هذا القسم الأول من أقسام الأعمال الشركية.

<<  <  ج: ص:  >  >>