للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النهي عن قول: لو فعلت كذا لكان كذا]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في اللو، وقول الله تعالى: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:١٥٤] وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٦٨].

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان).

يشترط في النهي عن (لو) القصد القلبي، فإذا قال الإنسان: لو حصل كذا لكان كذا وكذا وكان قصده الندم والتسخط على الماضي فلا شك في أن هذه تفتح عمل الشيطان، وهذه هي المرادة بالنهي.

فالمراد بالنهي هنا: أن يكون قصد القائل عندما يقول: (لو) هو الندم والسخط والحزن ونحو ذلك من المعاني الفاسدة، أما إذا كان له قصد آخر -مثل أن يتمنى الخير- فلا شيء عليه.

وقد استعملها النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حجة الوداع عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا بعد العمرة قال لهم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) فهذا تمنِّ للخير، وليس فيه حزن وتسخط على الماضي، وورد في الحديث المشهور في الرجل الذي يتمنى أنه يقول: لو أن عندي مالاً لفعلت فيه كذا وكذا، يعني: إذا تمنى الإنسان أن يكون له مال ينفقه في الطاعة فله أجر عظيم.

وليعلم أن (لو) ورد النهي عن استعمالها، وورد استعمالها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد من الجمع بينهما؛ لأنه لا يمكن أن يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وهي منهية عنها، وهذا يدل على أهمية القصد في مثل هذه الكلمات، فكلمة (لو) قد يطلقها الإنسان وهو حزين، وكأنه يتمنى استرجاع الماضي، واسترجاع الماضي ليس بيده، أو كأنه متسخط على الماضي، أما إذا كان متمنياً للخير فلا إشكال في ذلك؛ لأن الإنسان إذا قال: (لو)، وهو متسخط وحزين على الماضي فإن في قوله سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لم يرض بقدر الله عز وجل الذي قدره له، ولهذا قال: (فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)، ولهذا مثل بقوله: (ولا يقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا)؛ لأنه لا يمكن أن يحصل ذلك له، ففيها سوء أدب مع الله عز وجل واعتراض على قدره، أما إذا قالها متمنياً للخير فليس فيها ذلك المحذور الشرعي، وبناءً على هذا تكون جائزة، بل فيها طلب للخير وتمنٍ له وتربية للنفس عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>