للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَأَوْا من عظم اجْتِهَاد رهبانهم أَصْحَاب الصوامع والديارات والمطوس عَلَيْهِم أَبْوَاب الْبيُوت فليعلموا أَنه لَيْسَ عِنْدهم من الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة إِلَّا جُزْء من أَجزَاء كَثِيرَة مِمَّا عِنْد المنانية وَشدَّة اجتهادهم وَالَّذِي عِنْد الصابئين من ذَلِك أعظم فَإِنَّهُ يبلغ الْأَمر بهم إِلَى أَن يخصي الْوَاحِد نَفسه ويسمل عَيْني نَفسه اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَة وَالَّذِي عِنْد الهنود أَكثر من هَذَا كُله فَإِنَّهُم لَا يزالون يحرقون أنفسهم فِي النَّار تقرباً إِلَى البد وَلَا يزالون يرْمونَ أنفسهم من أعالي الْجبَال كَذَلِك فَأَيْنَ اجتهادٍ من اجْتِهَاد وَعباد الْهِنْد لَا يَمْشُونَ إِلَّا عُرَاة وَلَا يلتبسون من الدُّنْيَا بِشَيْء أصلا فَأَيْنَ هَذَا من هَذَا لَو عقلوا وَلم ير قطّ أَشد جريمة من جَاهِل مقلد لَا سِيمَا إِذا اتّفق أَن يكون سوداوياً ضَعِيفا وَإِن شِئْت فَتَأمل أساقفة النَّصَارَى وقسيسيهم وجتالقتهم تجدهم جفلة أفسق الْخلق وأزناهم وأجمعهم لِلْمَالِ لَا سَبِيل إِلَى أَن تَجِد مِنْهُم وَاحِدًا بِخِلَاف هَذَا وَكَذَلِكَ إِن اغتروا بصبر أوائلهم للْقَتْل على دينهم حَتَّى عمِلُوا لَهُم الشائنات إِلَى الْيَوْم فَإِن ذَلِك لَا يتَجَزَّأ من صَبر المنانية على الْقَتْل فِي الثَّبَات على دينهم وَمن صَبر دعاة القرامطة على الْقَتْل أَيْضا وكل هَذَا لَا يتعلل بِهِ إِلَّا جَاهِل سخيف مقلد متهالك وَإِنَّمَا الْحمق فِيمَا أوجبته براهين الْعُقُول الَّتِي وَضعهَا الله تَعَالَى فِينَا لتمييز الْحق من الْبَاطِل ونبا بهَا عَن البهايم فَقَط ثمَّ فِي الِاعْتِدَال والاقتصار على مَا جَاءَ بِهِ صَاحب الشَّرِيعَة الَّتِي قَامَ الْبُرْهَان بِصِحَّتِهَا عَن الله عز وَجل وجماع ذَلِك مَا جرى عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته وَبعده عَلَيْهِ السَّلَام

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَبَقِي لَهما اعتراضان نذكرهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَحدهمَا إِن قَالُوا قَالَ الله عز وَجل فِي كتابكُمْ حِكَايَة عَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ

من أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحن أنصار الله فآمنت طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل وكفرت طَائِفَة فأيدنا الَّذين آمنُوا على عدوهم فَأَصْبحُوا ظَاهِرين

وَقَالَ تَعَالَى أَيْضا مُخَاطبا للمسيح عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ ومطهرك من الَّذين كفرُوا وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قُلْنَا نعم هَذَا خبر حق ووعد صدق وَإِنَّمَا أخبر تَعَالَى عَن الْمُؤمنِينَ وَلم يسمهم وَلَا شكّ فِي أَن من ثَبت عَلَيْهِ الْكَذِب من باطرة ويوحنا وَمَتى ويهوذا وَيَعْقُوب لَيْسُوا مِنْهُم لكِنهمْ من الْكفَّار المدعين لَهُ الربوبية كذبا وَكفرا وَأما الموعودون بالنصر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الْمُؤْمِنُونَ بالمسيح عَلَيْهِ السَّلَام فهم نَحن الْمُسلمُونَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ حَقًا وبنبوته ورسالته لَا من كفر بِهِ وَقَالَ أَنه كَذَّاب وَقَالَ أَنه إِلَه أَو ابْن إِلَه تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَالثَّانِي إِن قَالُوا إِن فِي كتابكُمْ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} وَفِيه {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة وَقضي الْأَمر} فَهَلا قُلْتُمْ فِيمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَمَا تَقولُونَ فِيمَا فِي كتابكُمْ قُلْنَا بَين الْأَمريْنِ فرق بَين كَمَا بَين قطبي الْفلك وَذَلِكَ أَن الَّذِي فِي الْقُرْآن ظَاهر لَا يحْتَاج فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>