للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَا بُد من أَنه إِنَّمَا هُوَ انْتِقَال الشَّمْس عَن مُقَابلَة من قَابل بِوَجْهِهِ القرص واستقبل بِوَجْهِهِ وَأَنْفه وسط الْمسَافَة الَّتِي بَين مَوضِع طُلُوع الشَّمْس وَبَين مَوضِع غُرُوبهَا فِي كل زمَان وكل مَكَان وَأَخذهَا إِلَى جِهَة حَاجِبه الَّذِي يَلِي مَوضِع غرُوب الشَّمْس وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي أول النّصْف الثَّانِي من النَّهَار وَقد علمنَا أَن المداين من معمور الأَرْض آخذة على أديمها من مشرق إِلَى مغرب وَمن جنوب إِلَى شمال فَيلْزم من قَالَ أَن الأَرْض منتصبة إِلَّا على غير مكورة أَن كل من كَانَ سَاكِنا فِي أول الْمشرق أَن يُصَلِّي الظّهْر فِي أول النَّهَار ضَرُورَة وَلَا بُد إِثْر صَلَاة الصُّبْح بِيَسِير لِأَن الشَّمْس بِلَا شكّ تَزُول عَن مُقَابلَة مَا بَين حاجبي كل وَاحِد مِنْهُم فِي أول النَّهَار ضَرُورَة وَلَا بُد أَن كَانَ الْأَمر على مَا تَقولُونَ وَلَا يحل لمُسلم أَن يَقُول إِن صَلَاة الظّهْر تجوز أَن تصلى قبل نصف النَّهَار ويلزمهم أَيْضا أَن من كَانَ سَاكِنا فِي آخر الْمغرب إِن الشَّمْس لَا تَزُول عَن مُقَابلَة مَا بَين حاجبي كل وَاحِد مِنْهُم إِلَّا فِي آخر النَّهَار فَلَا يصلونَ الظّهْر إِلَّا فِي وَقت لَا يَتَّسِع لصَلَاة الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَهَذَا خَارج عَن حكم دين الْإِسْلَام وَأما من قَالَ بتكويرها فَإِن كل من على ظهر الأَرْض لَا يُصَلِّي الظّهْر إِلَّا إِثْر انتصاف نَهَاره أبدا على كل حَال وَفِي كل زمَان وَفِي كل مَكَان وَهَذَا بَين لَا خَفَاء فِيهِ وَقَالَ عز وَجل {سبع سماوات طباقاً} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا فَوْقكُم سبع طرائق} وَهَكَذَا قَامَ الْبُرْهَان من قبل كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر بعض الدراري لبَعض على أَنَّهَا سبع سموات وعَلى أَنَّهَا طرائق وَقَوله تَعَالَى طرائق يَقْتَضِي متطرقاً فِيهِ وَقَالَ تَعَالَى {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَهَذَا نَص مَا قَامَ عَلَيْهِ الْبُرْهَان من انطباق بَعْضهَا على بعض وإحاطة الْكُرْسِيّ بالسموات السَّبع وبالأرض وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسألوا الله الفردوس الْأَعْلَى فَإِنَّهُ وسط الْجنَّة وَأَعْلَى الْجنَّة وَفَوق ذَلِك عرش الرَّحْمَن وَقَالَ تَعَالَى الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى وَأخْبر هَذَانِ النصان بِأَن مَا على الْعَرْش هُوَ منتهي الْخلق وَنِهَايَة الْعلم وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بزينة الْكَوَاكِب وحفظاً من كل شَيْطَان مارد} وَهَذَا هُوَ نَص مَا قَامَ الْبُرْهَان عَلَيْهِ من أَن الْكَوَاكِب المرمي بهَا هِيَ دون سَمَاء الدُّنْيَا لِأَنَّهَا لَو كَانَت فِي السَّمَاء لَكَانَ الشَّيَاطِين يصلونَ إِلَى السَّمَاء أَو كَانَت هِيَ تخرج عَن السَّمَاء وَإِلَّا فَكَانَت تِلْكَ الشهب لَا تصل إِلَيْهِم إِلَّا بذلك وَقد صَحَّ أَنهم ممنوعون من السَّمَاء بالرجوم فصح أَن الرجوم دون السَّمَاء وَأَيْضًا فَإِن تِلْكَ الرجوم لَيست نجوماً مَعْرُوفَة أصلا وَإِنَّمَا هِيَ شهب ونيازك من نَار تتكوكب وتشتعل وتطفأ وَلَا نَار فِي السَّمَوَات أصلا فَلم نجد الِاخْتِلَاف إِلَّا فِي الْأَسْمَاء لاخْتِلَاف اللُّغَات وَقد اعْترض القَاضِي مُنْذر بن سعيد فِي هَذَا فَجعل الأفلاك غير السَّمَوَات

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَا برهَان على مَا ذكر إِلَّا أَنه قَالَ إِن السَّمَوَات هِيَ فَوق الأَرْض فَلَو كَانَت السَّمَوَات مُحِيطَة بِالْأَرْضِ لَكَانَ بعض السَّمَوَات تَحت الأَرْض وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن التحت والفوق من بَاب الْإِضَافَة لَا يُقَال فِي شَيْء تَحت إِلَّا وَهُوَ فَوق لشَيْء آخر حاشى مَرْكَز الأَرْض فَإِنَّهُ تَحت مُطلق لَا تَحت لَهُ الْبَتَّةَ وَكَذَلِكَ كل مَا قيل فِيهِ أَنه فَوق فَهُوَ أَيْضا تَحت لشَيْء آخر حاشى الصفحة الْعليا من

<<  <  ج: ص:  >  >>