الْفلك إِلَّا على الْمَقْسُوم بقسمة البروج فَهِيَ فَوق لَا فَوق لَهَا الْبَتَّةَ فالأرض على هَذَا الْبُرْهَان الشَّاهِد هِيَ مَكَان التحت فِي السَّمَوَات ضَرُورَة فَمن حَيْثُ كَانَت السَّمَاء فَهِيَ فَوق الأَرْض وَمن حَيْثُ قابلتها الأَرْض فَهِيَ تَحت السَّمَاء وَلَا بُد وَحَيْثُ مَا كَانَ ابْن آدم فرأسه إِلَى السَّمَاء وَرجلَاهُ إِلَى الأَرْض وَقد قَالَ الله عز وَجل {ألم تروا كَيفَ خلق الله سبع سماوات طباقاً وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا} وَقَالَ تَعَالَى {جعل فِي السَّمَاء بروجاً وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمراً منيراً} فَأخْبر الله تَعَالَى أَخْبَار لَا يردهُ إِلَّا كَافِر بِأَن الْقَمَر فِي السَّمَاء وَأَن الشَّمْس أَيْضا فِي السَّمَاء ثمَّ قد قَامَ الْبُرْهَان الضَّرُورِيّ الْمشَاهد بالعيان على دورانها حول الأَرْض من مشرق إِلَى مغرب ثمَّ من مغرب إِلَى مشرق فَلَو كَانَ على مَا يظنّ أهل الْجَهْل لكَانَتْ الشَّمْس وَالْقَمَر إِذْ دَارا بِالْأَرْضِ وصارا فِيمَا يُقَابل صفحة الأَرْض الَّتِي لسنا عَلَيْهَا قد خرجا عَن السَّمَاء وَهَذَا تَكْذِيب لله تَعَالَى فصح بِهَذَا أَنه لَا يجوز أَن يقارق الشَّمْس وَالْقَمَر السَّمَوَات وَلَا أَن يخرجَا عَنْهَا لِأَنَّهُمَا كَيفَ دَارا فهما فِي السَّمَوَات فصح ضَرُورَة أَن السَّمَوَات مُطَابقَة طباقاً على الأَرْض وَأَيْضًا فقد نَص تَعَالَى كَمَا ذكرنَا على أَن الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم فِي السَّمَوَات ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وكلٌ فِي فلك يسبحون} وبالضرورة علمنَا أَنه لَا يُمكن أَن يكون جرم فِي وَقت وَاحِد فِي مكانين فَلَو كَانَت السَّمَوَات غير الأفلاك وَكَانَت الشَّمْس وَالْقَمَر بِنَصّ الْقُرْآن فِي السَّمَوَات وَفِي الْفلك لكانا فِي مكانيين فِي وَقت غير متداخلين وَاحِد وَهَذَا محَال مُمْتَنع وَلَا ينْسب القَوْل بالمحال إِلَى الله عز وَجل إِلَّا أعمى الْقلب فصح أَن الشَّمْس فِي مَكَان وَاحِد وَهُوَ سَمَاء وَهُوَ فلك وَهَكَذَا القَوْل فِي الْقَمَر وَفِي النُّجُوم وَقَوله تَعَالَى وكلٌ فِي فلك يسبحون نَص جلي على الاستدارة لِأَنَّهُ أخبر تَعَالَى أَن الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم سابحة فِي الْفلك وَلم يخبر تَعَالَى أَن لَهَا سكوناً فَلَو لم تستدر لكَانَتْ على أباد الدهور بل فِي الْأَيَّام الْيَسِيرَة تغيب عَنَّا حَتَّى لَا نرَاهَا أبدا لَو مشت على طَرِيق وَاحِد وَخط وَاحِد مُسْتَقِيم أَو معوج غير مستدير لَكنا أمامها أبدا وَهَذَا بَاطِل فصح بِمَا نرَاهُ من كرورها من شَرق إِلَى عرب وَغرب إِلَى شَرق أَنَّهَا دَائِرَة ضَرُورَة وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ سُئِلَ عَن قَول الله تَعَالَى {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقرٍ لَهَا} فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مستقرها تَحت الْعَرْش وَصدق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا أبدا تَحت الْعَرْش إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَقد علمنَا أَن مُسْتَقر الشَّيْء هُوَ مَوْضِعه الَّذِي يلْزم فِيهِ وَلَا يخرج عَنهُ وَإِن مَشى فِيهِ من جَانب إِلَى جَانب حَدثنَا أَحْمد بن عمر بن أنس العذري ثَنَا عبد الله بن أَحْمد الْهَرَوِيّ حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن خُزَيْمٌ ثَنَا عبد بن حميد حَدثنِي سُلَيْمَان بن حَرْب الواسحي ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن اياسي بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ قَالَ السَّمَاء مقببة هَكَذَا على الأَرْض وَبِه إِلَى عبد بن حميد ثَنَا يحيى بن عبد الحميد عَن يَعْقُوب عَن جَعْفَر هُوَ ابْن أبي وحشية عَن سعيد بن حبير قَالَ جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ أَرَأَيْت قَول الله عز وَجل {سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ ابْن عَبَّاس هن ملتويات بَعضهنَّ على بعض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute