الْأَمر على أَنه النُّور المضيء الْمَعْهُود لما خبأ الضياء سَاعَة من ليل أَو نَهَار الْبَتَّةَ فَلَمَّا رَأينَا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك علمنَا أَنه بِخِلَاف مَا ظنوه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَيبْطل قَول من وصف الله تَعَالَى بِأَنَّهُ جسم وَقَول من وَصفه بحركة تَعَالَى الله عَن ذَلِك إِن الضَّرُورَة توجب أَن كل متحرك فذو حَرَكَة وَأَن الْحَرَكَة لمتحرك بهَا وَهَذَا من بَاب الْإِضَافَة وَالصُّورَة فِي المتصور لمتصور وَهَذَا أَيْضا من بَاب الْإِضَافَة فَلَو كَانَ كل مُصَور متصوراً وكل محرك متحركا كالوجب وجوب أَفعَال لأوائل لَهَا وَهَذَا قد أبطلناه فِيمَا خلا من كتَابنَا بعون الله تَعَالَى لنا وتأييده إيانا فَوَجَبَ ضَرُورَة وجود محرك لَيْسَ متحركاً ومصور لَيْسَ متصوراً ضَرُورَة وَلَا بُد وَهُوَ الْبَارِي تَعَالَى محرك المتحركات ومصور المصورات لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وكل جسم فَهُوَ ذُو صُورَة وكل ذِي حَرَكَة فَهُوَ ذُو عرض مَحْمُول فِيهِ فصح أَنه تَعَالَى لَيْسَ جسماً وَلَا متحركاً وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَأَيْضًا فقد قدمنَا أَن الْحَرَكَة والسكون مُدَّة والمدة زمَان وَقد بَينا فِيمَا خلا من كتَابنَا أَن الزَّمَان مُحدث فالحركة محدثة وَكَذَلِكَ السّكُون والباري تَعَالَى لَا يلْحقهُ الْحَدث إِذْ لَو لحقه مُحدثا لحقه مُحدثا فالباري تَعَالَى غير متحرك وَلَا سَاكن ولفضا فَإِن الْجِسْم إِنَّمَا يفعل آثاراً فِي الْجِسْم فَقَط وَلَا يفعل الْأَجْسَام فالباري إِذن تَعَالَى على قَول المجسمة إِنَّمَا هُوَ فَاعل آثَار فِي الْأَجْسَام فَقَط لَا فَاعل أجسام الْعَالم تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا فَإِن قَالُوا فَإِنَّكُم تسمونه فَاعِلا وتسمون أَنفسكُم فاعلين وَهَذَا تَشْبِيه قُلْنَا لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق لَا يُوجب لَك تَشْبِيها لِأَن التَّشْبِيه إِنَّمَا يكون بِالْمَعْنَى الْمَوْجُود فِي كلا المشتبهين لَا بالأسماء وَهَذِه التَّسْمِيَة إِنَّمَا هِيَ اشْتِرَاك فِي الْعبارَة فَقَط لِأَن الْفَاعِل من متحرك بِاخْتِيَار أَو باضطرار أَو عَارِف أَو شَاك أَو مُرِيد أَو كَانَ بِاخْتِيَار أَو ضمير أَو اضطرار كَذَلِك فَكل فَاعل منا فمتحرك وَذُو ضمير وكل متحرك فذو حَرَكَة تحركه وأعراض الضمائر انفعالات فَكل متحرك فَهُوَ منفعل وكل منفعل فلفاعل ضَرُورَة وَأما الْبَارِي تَعَالَى ففاعل بِاخْتِيَار واختراع لَا بحركة وَلَا بضمير فَهَذَا اخْتِلَاف لَا اشْتِبَاه وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَكَذَلِكَ الْعرض لَيْسَ جسماً والجسم لَيْسَ عرضا والباري تَعَالَى لَيْسَ جسماً وَلَا عرضا فهذان الحكمان لَا يوجبان اشتباهاً أصلا بل هَذَا عين الِاخْتِلَاف لَكِن الِاشْتِبَاه إِنَّمَا يكون بِإِثْبَات معنى فِي المشتبهين بِهِ اشتبها وَلَو أوجب مَا ذكرنَا اشتباهاً لوَجَبَ أَن يكون لشبه الْجِسْم فِي الجسمية لِأَنَّهُ لَيْسَ عرضا وَإِن يكون لشبه الْعرض فِي العرضية لِأَنَّهُ لَيْسَ جسماً فَكَانَ يكون جسماً فَكَانَ يكون جسماً لَا جسماً عرضا لَا عرضا مَعًا وَهَذَا محَال فصح أَن بِالنَّفْيِ لَا يجب الِاشْتِبَاه أصلا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمن قَالَ أَن الله تَعَالَى جسم لَا كالأجسام فَلَيْسَ مشتبهاً لكنه الْحَد فِي أَسمَاء الله تَعَالَى إِذْ سَمَّاهُ عز وَجل بِمَا لم يسم بِهِ نَفسه وَأما من قَالَ أَنه تَعَالَى كالأجسام فَهُوَ ملحد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute