التَّوْفِيق أَن كَلَام الله تَعَالَى وَاجِب أَن يحمل على ظَاهره وَلَا يُحَال عَن ظَاهره الْبَتَّةَ إِلَّا أَن يَأْتِي نَص أَو إِجْمَاع أَو ضَرُورَة حس على أَن شَيْئا مِنْهُ لَيْسَ على ظَاهره وَأَنه قد نقل عَن ظَاهره إِلَى معنى آخر فالانقياد وَاجِب علينا لما أوجبه ذَلِك النَّص وَالْإِجْمَاع أَو الضَّرُورَة لِأَن كَلَام الله تَعَالَى وإخباره وأوامره لَا تخْتَلف وَالْإِجْمَاع لَا يَأْتِي إِلَّا بِحَق وَالله تَعَالَى لَا يَقُول إِلَّا الْحق وكل مَا أبْطلهُ برهَان ضَرُورِيّ فَلَيْسَ بِحَق فَإِن هَذَا كَمَا قُلْنَا وَقد ثَبت ضَرُورَة أَن علم الله تَعَالَى لَيْسَ عرضا وَلَا جسماً أصلا لَا مَحْمُولا فِيهِ وَلَا فِي غَيره وَلَا هُوَ شَيْء غير الْبَارِي عز وَجل فبالضرورة نعلم أَن معنى قَوْله عز وَجل وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِنَّمَا المُرَاد الْعلم الْمَخْلُوق الَّذِي أعطَاهُ عباده وَهُوَ عرض فِي الْعَالمين مَحْمُول فيهم وَهُوَ مُضَاف إِلَى الله عز وَجل بِمَعْنى الْملك وَهَذَا لَا شكّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمنَا قَالَ الله عز وَجل {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} يُرِيد تَعَالَى مَا خلق من الْعُلُوم وبثها فِي عباده كَمَا قَالَ الْخضر لمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام أَنِّي على علم من علم الله لَا تعلمه أَنْت وَأَنت على علم من علم الله لَا أعلمهُ أَنا وَمَا نقص علمي وعلمك من علم الله إِلَّا كَمَا نقص هَذَا العصفور من الْبَحْر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ إِضَافَة الْملك وكما قَالَ تَعَالَى فِي عِيسَى أَنه روح الله وَهَذَا كُله إِضَافَة الْملك فها معنى قَوْله تَعَالَى وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ وَقد نفى الله تَعَالَى الْإِحَاطَة من الْخلق بِهِ فَقَالَ عز وَجل وَلَا يحيطون بِهِ علما
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَيخرج أَيْضا على ظَاهره أحسن خُرُوج دون تَأْوِيل ولاتكلف فَيكون معنى قَوْله تَعَالَى وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ أَي من الْعلم بِاللَّه تَعَالَى وَهَذَا حق لَا شكّ فِيهِ لأننا لَا نحيط من الْعلم بِهِ تَعَالَى إِلَّا بِمَا علمنَا فَقَط قَالَ تَعَالَى وَلَا يحيطون بِهِ علما فَيكون معنى من علمه أَي من مَعْرفَته فَإِن قَالُوا فَمَا معنى دعائكم الله فِي الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة وَهل يَخْلُو أَن يكون سبق علمه بِالرَّحْمَةِ فَأَي معنى للدُّعَاء فيمالا بُد مِنْهُ وَهل هُوَ إِلَّا كمن دعِي فِي طُلُوع الشَّمْس غَدا أَو فِي أَن يَجْعَل إنْسَانا إنْسَانا أَو فِي أَن تكون الأَرْض أَرضًا وَإِن كَانَ سبق فِي علمه تَعَالَى حلاف ذَلِك فَأَي معنى فِي الدُّعَاء فِيمَا لَا يكون وَهل هُوَ إِلَّا كمن دعى فِي أَن لَا تقوم السَّاعَة أَو فِي أَن لَا يكون النَّاس نَاسا فَيُقَال لَهُم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الدُّعَاء عمل أمرنَا الله تَعَالَى بِهِ لَا على أَنه يرد قدرا وَلَا أَنه يكون من أَجله مَالا يكون لَكِن الله تَعَالَى قد جعل فِي سَابق علمه الدُّعَاء الَّذِي سبق فِي علمه قبُوله يكون سَببا لما سبق فِي علمه كَونه كَمَا جعل فِي سَابق علمه الغذا بِالطَّعَامِ وَالشرَاب سَببا لبلوغ الْأَجَل الَّذِي سبق فِي علمه الْبلُوغ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْمَال وَقد نَص تَعَالَى على أَنه تَعَالَى يعلم آجال الْعباد قَالَ تَعَالَى {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} وَمَعَ ذَلِك فقد جعل تَعَالَى الْأكل وَالشرب سَببا إِلَى اسْتِيفَاء ذَلِك الْمِقْدَار وكل ذَلِك سَابق فِي علمه عز وَجل وَالدُّعَاء