للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِيمَا بَيْننَا إِلَّا ذَا حَيَاة وَلَا يكون حَيا إِلَّا بحياة لَا يعقل غير هَذَا أصلا وَيُقَال لَهُم مَا الْفرق بَيْنكُم وَبَين من عكس قَوْلكُم فَقَالَ إِذا كَانَ الْحَيّ لَا يجب أَن يُقَال إِن لَهُ حَيَاة من أجل أَنه حَيّ وَلَا أَنه إِذا كَانَ حَيا وَجب أَن يكون لَهُ حَيَاة وَلَا أَنه سمى الْحَيّ حَيا لِأَن لَهُ حَيَاة فَكَذَلِك لم يجب أَن يكون الْفَاعِل فَاعِلا لِأَنَّهُ حَيّ لَكِن لِأَن لَهُ فعلا فَقَط وَلَا وَجب أَن يكون الْفِعْل فَاعِلا لِأَنَّهُ عَالم قَادر لَكِن لِأَن لَهُ فعلا وَكَذَلِكَ الْمُؤلف لم يسم مؤلفاً لِأَن فِيهِ تأليفاً وَلَا سمي الْحَكِيم حكيما لإحكامه الْفِعْل وَلَا وَجب الْمُؤلف أَن يكون مُحدثا للتأليف الَّذِي فِيهِ على أَن من قَالَ بعض هَذِه القضايا فَهُوَ أصح قولا مِمَّن قَالَ أَن يكون الْحَيّ حَيا لَا يَقْتَضِي بذلك الِاسْتِدْلَال أَن يكون لَهُ حَيَاة لأننا لم نجد قطّ حَيا إِلَّا بحياة وَلَا توهمنا ذَلِك إِلَّا بِالْعقلِ وَلَا يتشكل فِي الْعقل الْبَتَّةَ وَلَا يدْخل فِي الْمُمكن بِدَلِيل وَقد وجدنَا العنكبوت والنحل والخطاف تحكم أفعالها وبنائها بالطين وبالشمع مسدساً على رُتْبَة وَاحِدَة وبالنسج ثمَّ لَا يجوز أَن يُسمى شئ مِنْهَا حكيماً فَإِن قَالَ إِنَّمَا أَقُول أَنه حَيّ اسْتِدْلَالا بِأَنَّهُ لَا يَمُوت فَقَط كَانَ قد أَتَى بأسخف قَول وَذَلِكَ يلْزمه أَن يَقُول أننا لسنا أَحيَاء لأننا نموت وَأَنه لَا حَيّ فِي الْعَالم لِأَن من قَول هَذَا الْقَائِل أَن الْمَلَائِكَة تَمُوت فَلَيْسَ فِي الْعَالم حَيّ على قَوْله وَقد أَتَى بَعضهم بهذيان ظريف فَقَالَ قد وجدنَا شَيْئا فِيهِ حَيَاة وَلَيْسَ حَيا هُوَ يَد الْإِنْسَان وَرجله

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَقَد كَانَ يَنْبَغِي لمن هَذَا مِقْدَاره من الْجَهْل أَن يتَعَلَّم قبل أَن يتَكَلَّم أما علم لجَاهِل أَن الْحَيَاة إِنَّمَا هِيَ للنَّفس لَا للجسد وَأَن الْحَيّ إِنَّمَا هِيَ النَّفس لَا الْجَسَد أما سمع قَول الله عز وَجل {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} وليت شعري لَو عكس عَلَيْهِ هَذَا السخف فَقيل لَهُ بل يَد الْإِنْسَان حَيَّة وَلَا حَيَاة فِيهَا بِمَاذَا كَانَ ينْفَصل من هَذَا الْجُنُون المطابق لجنونه ثمَّ إِذْ قد بَطل قَول هَؤُلَاءِ فَنَقُول بحول الله تَعَالَى وقوته للطائفة الْأُخْرَى الَّتِي قَالَت أَنه تَعَالَى حَيّ بحياة اسْتِدْلَالا بِالشَّاهِدِ مَا الْفرق بَيْنكُم وَبَين من قَالَ هُوَ تَعَالَى جسم لِأَن الْأَفْعَال لَا تقع إِلَّا من جسم وَعرض فَلَمَّا بَطل إِمْكَان الْفِعْل من الْعرض صَحَّ وُقُوعه من الْجِسْم فَقَط وَلَا بُد وَلما صَحَّ أَن الْعَالم لَا يكون إِلَّا جسماً ذَا ضمير صَحَّ أَنه تَعَالَى جسم ذُو ضمير وَلما صَحَّ أَنه قَادر والقادر لَا يكون إِلَّا جسماً صَحَّ أَنه جسم فَبِأَي شَيْء راموا الِانْفِصَال بِهِ عكس عَلَيْهِم مثله سَوَاء بِسَوَاء فِي استدلالهم وَمَا التزموه لَزِمَهُم فَإِن قَالُوا أَنه تَعَالَى أخبر أَنه حَيّ وَلم يخبر أَنه جسم قُلْنَا لَهُم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَإِن الله تَعَالَى لم يخبر بِأَن لَهُ حَيَاة فَإِن قَالُوا إِن الْحَيّ يَقْتَضِي أَن لَهُ حَيَاة قُلْنَا لَهُم والحي يَقْتَضِي أَنه جسم وَهَكَذَا أبدا فَإِن قَالُوا أَنه تَعَالَى قَالَ {وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت} فَوَجَبَ أَن يكون حَيا بحياة قيل لَهُم وَإِن وَجب هَذَا فَقَالَ تَعَالَى لَا نَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم فَقولُوا أَنه تَعَالَى يقظان فَإِن قَالُوا لم ينص تَعَالَى على أَنه يقظان قيل لَهُم وَلَا نَص تَعَالَى على

<<  <  ج: ص:  >  >>