للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَن لَهُ حَيَاة فَإِن قَالُوا الْحَيّ يَقْتَضِي حَيَاة قيل لَهُم وَمن لَيْسَ نَائِما وَلَا وَسنَان فَهُوَ يقظان وَلَا فرق وَيُقَال لَهُم أخبرونا مَاذَا نفيتم عَنهُ تَعَالَى بِإِيجَاب الْحَيَاة لَهُ أنفيتم عَنهُ بذلك الْمَوْت الْمَعْهُود والمواتية الْمَعْهُودَة أم موتا غير مَعْهُود ومواتية غير معهودة وَلَا سَبِيل إِلَى قسم ثَالِث فَإِن قَالُوا نَفينَا عَنهُ الْمَوْت الْمَعْهُود والمواتية الْمَعْهُودَة قُلْنَا لَهُم إِن الْمَوْت الْمَعْهُود والمواتية الْمَعْهُودَة لَا ينتفيان الْبَتَّةَ إِلَّا لحياة الْمَعْهُودَة الَّتِي هِيَ الْحس وَالْحَرَكَة والسكون الإراديان وَهَذَا خلاف قَوْلكُم وَلَو قلتموه لأبطلنا قَوْلكُم بِمَا أبطلنا بِهِ قَول المجسمة وَإِن قَالُوا مَا نَفينَا عَنهُ تَعَالَى إِلَّا موتا غير مَعْهُود ومواتية غير معهودة قُلْنَا لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق هَذَا لَا يعقل وَلَا يتَوَهَّم وَلَا قَامَ بِهِ دَلِيل وَلَا يجوز أَن يَنْتَفِي مَا ذكرْتُمْ بحياة يقتضيها اسْم الْحَيّ الْمَعْقُول وَهَكَذَا نقُول فِي قَوْلهم سميناه تَعَالَى سميعاً لنفي الصمم وبصيراً لنفي الْعَمى ومتكلماً لنفي الخرس فنسألهم هَل نفيتم بذلك كُله الخرس الْمَعْهُود والصمم الْمَعْهُود والعمى الْمَعْهُود أم صمماً لَا يعْهَد وعمى غير الْمَعْهُود وخرساً غير الْمَعْهُود فَإِن قَالُوا نَفينَا الْمَعْهُود من كل ذَلِك قُلْنَا إِن الصمم الْمَعْهُود لَا يَنْفِي إِلَّا بِالسَّمْعِ الْمَعْهُود الَّذِي هُوَ بِإِذن سَالِمَة والعمى الْمَعْهُود لَا يَنْتَفِي إِلَّا بالبصر الْمَعْهُود الَّذِي هُوَ حدقة سَالِمَة والخرس الْمَعْهُود لَا يَنْتَفِي إِلَّا بالْكلَام الْمَعْهُود الَّذِي هُوَ صَوت من لِسَان وحنك وشفتين فَإِن قَالُوا بل نَفينَا من كل ذَلِك غير الْمَعْهُود قُلْنَا هَذَا لَا يعقل وَلَا يتَوَهَّم وَلَا يَصح بِهِ دَلِيل وَلَا يَنْتَفِي بِمَا أردتم نَفْيه بِهِ وَأَيْضًا فَإِن الْبَارِي تَعَالَى لَو كَانَ حَيا بحياة لم يزل وَهِي غَيره لوَجَبَ ضَرُورَة أَن يكون تَعَالَى مؤلفاً مركبا من ذَاته وحياته وَسَائِر صِفَاته ولكان كثير إِلَّا وَاحِدًا وَهَذَا إبِْطَال الْإِسْلَام ونعوذ بِاللَّه من الخذلان

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما قَوْلهم إِنَّمَا خاطبنا الله بِمَا نعقل ودعواهم أَن فِي بديهة الْعُقُول أَن الْفَاعِل لَا يكون إِلَّا عَالما بِعلم هُوَ غَيره حَيا بحياة هِيَ غَيره قَادِرًا بقدرة هِيَ غَيره متكلماً بِكَلَام هُوَ غَيره سميعاً بسمع هُوَ غَيره بَصيرًا ببصر هُوَ غَيره فَإنَّا نقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتايدان هَذِه الْقَضِيَّة كَمَا ذكرُوا مَا لم برهَان على خلاف ذَلِك ثمَّ نسألهم هَل عقلتم قسط أَو توهمتم نَارا محرقة تنْبت فِي الشّجر المثمر وَهَذِه صفة جَهَنَّم الَّتِي إِن أنكرتموها كَفرْتُمْ وَهل عقلتم قطّ طيراً حَيا يُؤْكَل دون أَن يَمُوت أَو يعاني بِنَار وَهَذِه صفة الْجنَّة الَّتِي إِن أنكرتموها كَفرْتُمْ وَمثل هَذَا كثير وَإِنَّمَا الْحق أَن لَا نخرج عَمَّا عهدناه وَمَا عَقَلْنَاهُ إِلَّا أَن يَأْتِي برهَان فَإِن قنعوا بِهَذَا الْقدر من الدَّعْوَى فليقنعوا بِمثل هَذَا من المجسمة إِذْ قَالُوا إِنَّمَا خاطبنا الله تَعَالَى بِمَا نفهم ونعقل لَا بِمَا لَا يعقل وَقد أخبرنَا الله تَعَالَى أَن لَهُ عينا ويداً ووجهاً وَأَنه ينزل وَيَجِيء فِي ظلل من الْغَمَام قَالُوا فَكل هَذَا مَحْمُول على مَا عقلنا من أَنَّهَا جوارح وحركات وَأَنَّهَا جسم وأقنعوا بِهِ مِنْهُم أَيْضا إِذْ قَالُوا ببديهة الْعقل وأوله عرفنَا وَوَجَب أَنه لَا يكون الْفَاعِل إِلَّا جسماً فِي مَكَان وبضرورة الْعقل علمنَا أَنه لَا شَيْء إِلَّا بجسم أَو عرض وَمَا لم يكن كَذَلِك فَهُوَ عدم وَإِن مَا لم يكن

<<  <  ج: ص:  >  >>