للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِلَفْظ يفهم السَّائِل مِنْهُ مُرَاد نَفسه وَيفهم المسؤل مُرَاد السَّائِل عَنهُ فَهُوَ سُؤال صَحِيح وَالْجَوَاب عَنهُ لَازم وَمن أجَاب عَنهُ بِأَن هَذَا سُؤال فَاسد وَأَنه محَال فَإِنَّمَا هُوَ جَاهِل بِالْجَوَابِ مُنْقَطع متسلل عَنهُ وَأما السُّؤَال الَّذِي يفْسد بعضه بَعْضًا وَينْقص آخِره أَوله فَهُوَ سُؤال فَاسد لم يُحَقّق بعد وَمَا لم يُحَقّق السُّؤَال عَنهُ فَلم يسائل عَنهُ وَمَا لم يسْأَل عَنهُ فَلَا يلْزم عَنهُ جَوَاب على مثله فهاتان قضيتان جامعتان وكافيتان فِي هَذَا الْمَعْنى لَا يشد عَنْهُمَا شَيْء مِنْهُ إِلَّا أَنه لَا بُد من جَوَاب بَيَان حوالته لَا على تَحْقِيقه وَلَا على تشكله وَلَا على توهمه وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

ثمَّ نحد المسؤل عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب بِحَدّ جامح بحول الله تَعَالَى وقوته فيرتفع الْإِشْكَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَبِه نتأيد أَن الشَّيْء الْمَسْئُول عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب إِن كَانَ إِنَّمَا سَأَلَ السَّائِل عَن الْقُدْرَة على إِحْدَاث فعل مُبْتَدأ أَو على إعدام فعل مُبْتَدأ فالمسئول عَنهُ مَقْدُور عَلَيْهِ وَلَا تحاشى شَيْئا وَالسُّؤَال صَحِيح وَالْجَوَاب عَنهُ بنعم لَازم وَإِن كَانَ المسؤل عَنهُ مَا لَا ابْتِدَاء لَهُ فالسؤال عَن تَغْيِيره أَو إحداثه أَو عدامه سُؤال متفاسد لَا يُمكن السَّائِل عَنهُ فهم معنى سُؤَاله وَلَا تَحْقِيق سُؤَاله وَمَا كَانَ هَكَذَا لَا يلْزم الْجَواب عَنهُ على تَحْقِيقه وَلَا على تشكله لِأَن الْجَواب عَن التشكل لَا يكون إِلَّا عَن سُؤال وَلَيْسَ هَا هُنَا سُؤال أصلا ثمَّ نقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد أَن من الْوَاجِب أَن نبين بحول الله تَعَالَى وقوته مَا الْمحَال وعَلى أَي معنى تقع هَذِه اللَّفْظَة وعماذا يعبر بهَا عَنهُ فَإِن من قَامَ بِشَيْء وَلم يعرف تَحْقِيق مَعْنَاهُ فَهُوَ فِي غَمَرَات من الْجَهْل فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد إِن الْمحَال يَنْقَسِم أَرْبَعَة أَقسَام لَا خَامِس لَهَا أَحدهَا محَال بِالْإِضَافَة وَالثَّانِي محَال فِي الْوُجُود وَالثَّالِث محَال فِيمَا بَيْننَا فِي بنية الْعقل عندنَا وَالرَّابِع محَال مُطلق فالمحال بِالْإِضَافَة مثل نَبَات اللِّحْيَة لِابْنِ ثَلَاث سِنِين وإحباله امْرَأَة وَكَلَام الأبله الغبي فِي دقائق الْمنطق وصوغه الشّعْر العجيب وَمَا أشبه هَذَا فَهَذِهِ الْمعَانِي مَوْجُودَة فِي الْعَالم مِمَّن هِيَ مُمكنَة مِنْهُ ممتنعة من غَيرهم وَأما الْمحَال فِي الْوُجُود فكا نقلاب الجماد حَيَوَانا وَالْحَيَوَان جماداً أَو حَيَوَانا آخر وكنطق الْحجر واختراع الْأَجْسَام وَمَا أشبه هَذَا فَإِن هَذَا كُله لَيْسَ مُمكنا عندنَا الْبَتَّةَ وَلَا مَوْجُودا وَلكنه متوهم فِي الْعقل متشكل فِي النَّفس كَيفَ كَانَ يكون لَو كَانَ وبهذين الْقسمَيْنِ تَأتي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي معجزاتهم الدَّالَّة على صدقهم فِي النُّبُوَّة وَأما الْمحَال فِيمَا بَيْننَا فِي بنية الْعقل فكون الْمَرْء قَائِما قَاعِدا مَعًا فِي حِين وَاحِد وكسؤال السَّائِل هَل يقدر الله تَعَالَى على أَن يَجْعَل الْمَرْء قَاعِدا لَا قَاعِدا مَعًا وَسَائِر مَا لَا يتشكل فِي الْعقل فِيمَا يَقع فِيهِ التَّأْثِير لَو أمكن فِيمَا دون الْبَارِي عز وَجل فَهَذِهِ الْوُجُوه الثَّلَاثَة من سَأَلَ عَنْهَا أيقدر الله تَعَالَى عَلَيْهَا فَهُوَ سُؤال صَحِيح مَفْهُوم مَعْرُوف وَجهه يلْزم الْجَواب عَنهُ بنعم إِن الله قَادر على ذَلِك كُله إِلَّا أَن الْمحَال فِي بنية الْعقل فِيمَا بَيْننَا لَا يكون الْبَتَّةَ فِي هَذَا الْعَالم لَا معْجزَة لنَبِيّ وَلَا بِغَيْر ذَلِك الْبَتَّةَ هَذَا وَاقع فِي النَّفس بِالضَّرُورَةِ وَلَا يبعد أَن يكون الله تَعَالَى يفعل هَذَا فِي عَالم لَهُ آخر وَأما الْمحَال الْمُطلق فَهُوَ كل سُؤال أوجب على ذَات الْبَارِي تغييراً فَهَذَا هُوَ الْمحَال لعَينه الَّذِي ينْقض بعضه بَعْضًا وَيفْسد آخِره أَوله وَهَذَا النَّوْع لم يزل محالاً فِي علم الله تَعَالَى وَلَا هُوَ مُمكن فهمه لَا حد وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ سؤالاً وَلَا سَأَلَ سائله عَن معنى أصلا وَإِذا لم يسْأَل فَلَا يَقْتَضِي جَوَابا على تَحْقِيقه أَو توهمه لَكِن يَقْتَضِي جَوَابا بنعم أَو لَا لِئَلَّا ينْسب بذلك إِلَى وصقه تَعَالَى بِعَدَمِ الْقُدْرَة الَّذِي هُوَ الْعَجز بِوَجْه أصلا وَإِن كُنَّا موقنين بضرورة الْعقل بِأَن الله تَعَالَى لم يَفْعَله

<<  <  ج: ص:  >  >>