للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مستطيع قبل الْفِعْل فَهُوَ أتم طَاقَة وقدرة من الله تَعَالَى وَيلْزمهُ أَيْضا القَوْل بحدوث قدرَة الله تَعَالَى وَلَا بُد إِذْ لَو كَانَت قدرته لم تزل لَكَانَ قَادِرًا على الْفِعْل قبل أَن يفعل وَلَا بُد وَهَذَا خلاف قَوْله وَهَذَا كفر مُجَرّد إِذْ يَقُول إِن الْإِنْسَان قَادر على غير مَا علم الله تَعَالَى أَن يَفْعَله وَالله تَعَالَى لَا يقدر على ذَلِك فَإِن هَؤُلَاءِ جمعُوا إِلَى تعجيز رَبهم القَوْل بِأَنَّهُم أقوى مِنْهُ وَهَذَا على أَشد مَا يكون من الْكفْر والشرك والحماقة

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَكلهمْ يَقُول بِهَذَا الْمَعْنى لِأَن جَمِيعهم يَقُول إِن كل مَخْلُوق فَهُوَ قَادر على كل مَا يَفْعَله من اتِّخَاذ ولد وحركة وَسُكُون وَغير ذَلِك وَأَن الْبَارِي لَا يقدر على شَيْء من ذَلِك وَهَذَا كفر وَحش جدا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وسألناهم أَيْضا فَقُلْنَا لَهُم أتقرون أَن الله تَعَالَى لم يزل قَادِرًا على أَن يخلق أم تَقولُونَ أَنه لم يزل غير قَادر على أَن يخلق ثمَّ قدر فَقَوْل كل من لَقينَا مِنْهُم وَقَول جَمِيع أهل الْإِسْلَام أَن الله عز وَجل لم يزل قَادِرًا على أَن يخلق

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وهم وَجَمِيع أهل الْإِسْلَام منكرون على من قَالَ من أهل الْإِلْحَاد أَن الله تَعَالَى لم يزل خَالِقًا قاطعون بِأَن لم يزل يخلق محَال متفاسد

قَالَ أَبُو مُحَمَّد صدقُوا فِي ذَلِك إِلَّا أَنهم إِذْ أقرُّوا أَن قَول من قَالَ أَنه لم يزل يخلق محَال وأقروا أَنه لم يزل قَادِرًا على ذَلِك فقد أفروا بِصِحَّة قَوْلنَا وَأَنه تَعَالَى قَادر على الْمحَال وَلَا بُد من هَذَا وَالْكفْر وَالْقَوْل بِأَنَّهُ تَعَالَى لم يزل غير قَادر وَالْحَمْد لله على هداه لنا إِلَى الْحق

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وسألناهم أَيْضا فَقُلْنَا لَهُم هَل يجوز عنْدكُمْ أَن يَدعِي الله تَعَالَى فِي أَن يفعل مَا لَا يقدر على سواهُ أَو فِي أَن لَا يفعل مَا لَا يقدر على فعله فَإِن قَالُوا نعم أَتَوا بالمحال وَإِن قَالُوا لَا يجوز ذَلِك قيل لَهُم فقد أمرنَا الله تَعَالَى أَن نَدْعُوهُ فَنَقُول رب احكم بِالْحَقِّ وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ وَهُوَ عنْدكُمْ لَا يقدر على الحكم بِغَيْر الْحق وَلَا أَن يحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمن عجائب الدُّنْيَا أَنهم يسمعُونَ الله تَعَالَى يَقُول {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله} و {أَن الله ثَالِث ثَلَاثَة} و {إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} و {إِن الله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء} و {يَد الله مغلولة} و {كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للْإنْسَان اكفر} وَلَا يشك مُسلم فِي أَن هَذَا كُله كذب فَأَي حَمَاقَة أشنع من قَول من قَالَ إِن الله قَادر على أَن يَقُول كل ذَلِك حاكياً وَلَا يقدر أَن يَقُوله من غير أَن يَقُول مَا قيل هَذِه الْأَقْوَال من إضافتها إِلَى غَيره وَهَذَا قَول يَعْنِي ذكره وسخافته عَن تكلّف الرَّد عَلَيْهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ سألناهم فَقُلْنَا لَهُم من أَيْن علمْتُم أَن الله تَعَالَى لَا يقدر على الْكَذِب أَو الْمحَال أَو الظُّلم أَو غير مَا فعل فَلم تكن لَهُم حجَّة أصلا إِلَى أَن قَالُوا لَو قدر على شَيْء من ذَلِك لما أمنا أَن يكون فعله أَو لَعَلَّه سيفعله فَقُلْنَا لَهُم وَمن أَيْن أمنتم أَن يكون قد فعله أَو لَعَلَّه سيفعله فَلم تكن لَهُم حجَّة أصلا إِلَّا أَن قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يقدر على فعله

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَحصل من هَذَا أَن حجتهم أَنه تَعَالَى لَا يقدر على الظُّلم وَالْكذب والمحال وَغير مَا فعل أَنه لَا يقدر على شَيْء من ذَلِك فاستدلوا على قَوْلهم بذلك القَوْل نَفسه وَهَذِه سفسطة تَامَّة وحماقة ظَاهِرَة وَجَهل قوي لَا يرضى بِهِ لنَفسِهِ إِلَّا سخيف الْعقل ضَعِيف الدّين فَلَا ضَرُورَة من أَن يرجِعوا إِلَى قَوْلنَا فِي أَنه بِالضَّرُورَةِ علمنَا أَنه تَعَالَى لَا يفعل شَيْئا من ذَلِك كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>