قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأجَاب بَعضهم فِي هَذَا السُّؤَال بِأَن قَالَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امتحنه الله عز وَجل قبل مَوته بِمَا بلغ ثَوَابه على طَاعَته فِيهِ مبلغ ثَوَابه على كل طَاعَة تكون منا لَو عَاشَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا جُنُون ناهيك بِهِ لوجوه أَولهَا أَنه مُحَابَاة مُجَرّدَة لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام على غَيره وهلا فعل ذَلِك بِغَيْرِهِ وَعجل راحتهم من الدُّنْيَا ونكدها وَثَانِيها أَن هَذَا القَوْل كذب بحت وَذَلِكَ أَن المحن فِي الْعَالم مَعْرُوفَة وَهِي إِمَّا فِي الْجِسْم بالعلل وَأما فِي المَال بِالْإِتْلَافِ وَأما فِي النُّفُوس بالخوف والهوان والهم بالأهل والأحبة وَالْقطع دون الأمل لَا محنة فِي الْعَالم تخرج عَن هَذِه الْوُجُوه إِلَّا المحنة فِي الدّين فَقَط نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك فَأَما المحنة فِي الْجِسْم فكذبوا وَمَا مَاتَ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا سليم الْأَعْضَاء سويها معافى من مثل محنة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام وَسَائِر أهل الْبلَاء نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَأما فِي المَال فَمَا شغله الله عز وَجل مِنْهُ بِمَا يَقْتَضِي محنته فِي فضوله وَلَا أحوجه إِلَى أحد بل أَقَامَهُ على حد الْغنى بالقوت ووفقه لتنفيذ الْفضل فِيمَا يقربهُ من ربه عز وَجل وَأما النَّفس فَأَي محنة لمن قَالَ الله عز وَجل لَهُ {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} وَلمن رفع ذكره وَضمن لَهُ إِظْهَار دينه على الدّين كُله وَلَو كره أعداؤه وَجعل شائنه الأبتر وأعزه بالنصر على كل عَدو فَأَي خوف وَأي هوان يتوقعه عَلَيْهِ السَّلَام وَأما أَهله وأحبته فاحترم بَعضهم فَأَجره فيهم كإبراهيم ابْنه وَخَدِيجَة وَحَمْزَة وجعفر وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم ورقية بَنَاته رَضِي الله عَنْهُم وَأقر عينه بِبَقَاء بَعضهم وصلاحه كعائشة وَسَائِر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَفَاطِمَة ابْنَته وَعلي وَالْعَبَّاس وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأَوْلَاد الْعَبَّاس وَعبد الله بن جَعْفَر وَأبي سُفْيَان بن الْحَارِث رَضِي الله عَن جَمِيعهم فَأَي محنة هَاهُنَا أَلَيْسَ قد أعاذ الله تَعَالَى من مثل محنة حبيب بن عدي سميَّة أم عمار رَضِي الله عَنْهُم أَلَيْسَ من قتل من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمن أنشر بِالْمِنْشَارِ وأحرق بالنيران أعظم محنة وَمن خَالفه قومه فَلم يتبعهُ مِنْهُم إِلَّا الْيَسِير وعذب الْجُمْهُور كهود وَصَالح وَلُوط وَشُعَيْب وَغَيرهم اعظم محنة وَهل هَذِه إِلَّا مُكَابَرَة وحماقة وقحة وَأي محنة تكون لمن أوجب الله عز وَجل على الْجِنّ وَالْإِنْس طَاعَته وأكرمه برسالته وأمنه من كل النَّاس وأكب عدوه لوجهه وَغفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَهل هَذِه إِلَّا نعم وخصائص وفضائل وكرامات ومحاباة مُجَرّدَة لَهُ على جَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ وَهل اسْتحق عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا قطّ على ربه تَعَالَى حَتَّى ابْتَدَأَ بِهَذِهِ النِّعْمَة الجليلة وَقد تَحنث قبله زيد بن عَمْرو بن نفَيْل بن عبد الْعزي الْعَدوي وَقيس بن سَاعِدَة الأبادي وَغَيرهمَا فَمَا أكْرمُوا بِشَيْء من هَذَا وَلَكِن نوك الْمُعْتَزلَة لَيْسَ عَلَيْهِ قِيَاس (قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَمِمَّا سئلوا عَنهُ أَن قيل لَهُم أَلَيْسَ قد علم الله أَن فِرْعَوْن وَالْكفَّار إِن أعاشهم كفرُوا فَمن قَوْلهم نعم فَيُقَال لَهُم أبقاهم حَتَّى كفرُوا واخترم على قَوْلهم من علم أَنه إِن عَاشَ كفر وَهَذَا تَخْلِيط لَا يعقل ونقول لَهُم أَيْضا أَيّمَا كَانَ أصلح للْجَمِيع لَا سِيمَا لأهل النَّار خَاصَّة أَن يخترعنا الله تَعَالَى كلنا فِي الْجنَّة كَمَا فعل بِالْمَلَائِكَةِ وحور الْعين أم مَا فعل بِنَا من خلقنَا فِي الدُّنْيَا والتعريض للبلاء فِيهَا وللخلود فِي النَّار (قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فلحوا عِنْد هَذِه فَقَالَ بَعضهم لم يخلق الْجنَّة بعد فَقُلْنَا لَهُم هبكم أَن الْأَمر كَمَا قُلْتُمْ فَإِنَّمَا كَانَ أصلح للْجَمِيع أَن يعجل الله عز وَجل خلقهَا ثمَّ يخلقنا فِيهَا أَو يُؤَخر خلقنَا