قَالَ تَعَالَى كَمَا يعْرفُونَ أبنائهم فأضاف تَعَالَى النُّبُوَّة إِلَيْهِم فَمن لم يقل أَنهم أَبْنَاءَهُم بعد أَن جعلهم الله أَبْنَاءَهُم فقد كذب الله تَعَالَى وَقد علمنَا أَنه لَيْسَ كل من خلق من نُطْفَة الرجل يكون ابْنه فولد الزِّنَا مَخْلُوق من نُطْفَة إِنْسَان لَيْسَ هُوَ أَبَاهُ فِي حكم الدّيانَة أصلا وَإِنَّمَا أَبْنَاؤُنَا من جعلهم الله أبناءنا فَقَط كَمَا أَن الله تَعَالَى جعل أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ مِنْهُنَّ أمهاتنا وَإِن لم يلدننا وَنحن أبناؤهن وَإِن لم نخرج من بطونهن فَمن أنكر هَذَا فَنحْن نصدقه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ مُؤمنا فلسن أمهاته وَلَا هُوَ ابْن لَهُنَّ وَالْوَجْه الثَّالِث هُوَ أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا أورد الْآيَة مبكتاً للَّذين أُوتُوا الْكتاب لَا معتذرا عَنْهُم لَكِن مخبرا بِأَنَّهُم يعْرفُونَ صِحَة نبوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بآياته وَبِمَا وجدوا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل معرفَة قَاطِعَة لَا شكّ فِيهَا كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم ثمَّ أتبع ذَلِك تَعَالَى بِأَنَّهُم يكتمون الْحق وهم عالمون بِهِ فَبَطل هذر هَذَا الْجَاهِل المخذول وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَقَالَ عز وَجل {لَا إِكْرَاه فِي الدّين قد تبين الرشد من الغي} فنص تَعَالَى على أَن الرشد قد تبين من الغي عُمُوما وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى} وَقَالَ تَعَالَى {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله وشاقوا الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُم الْهدى لن يضروا الله شَيْئا} وَهَذَا نَص جلي من خَالفه كفر فِي أَن الْكفَّار قد تبين لَهُم الْحق وَالْهدى فِي التَّوْحِيد والنبوة وَقد تبين لَهُ الْحق فبيقين يدْرِي كل ذِي حس سليم أَنه مُصدق بِلَا شكّ بِقَلْبِه وَقَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَتْهُم آيَاتنَا مبصرة قَالُوا هَذَا سحر مُبين وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلواً}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا أَيْضا نَص جلي لَا يحْتَمل تَأْوِيلا على أَن الْكفَّار جَحَدُوا بألسنتهم الْآيَات الَّتِي أَتَى بهَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام واستيقنوا بقلوبهم أَنَّهَا حق وَلم يجحدوا قطّ أَنَّهَا كَانَت وَإِنَّمَا جَحَدُوا أَنَّهَا من عِنْد الله فصح أَن الَّذِي استيقنوا مِنْهَا هُوَ الَّذِي جَحَدُوا وَهَذَا يبطل قَول من قَالَ من هَذِه الطَّائِفَة أَنهم إِنَّمَا استيقنوا كَونهَا وَهِي عِنْدهم حيل لَا حقائق إِذْ لَو كَانَ ذَلِك لَكَانَ هَذَا القَوْل من الله تَعَالَى كذبا تَعَالَى الله عَن ذَلِك لأَنهم لم يجحدوا كَونهَا وَإِنَّمَا جَحَدُوا أَنَّهَا من عِنْد الله وَهَذَا الَّذِي جَحَدُوا هُوَ الَّذِي استيقنوا بِنَصّ الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى حاكياً عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لفرعون {لقد علمت مَا أنزل هَؤُلَاءِ إِلَّا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض بصائر} فَمن قَالَ أَن فِرْعَوْن لم يعلم أَن الله تَعَالَى حق وَلَا علم أَن معجزات مُوسَى حق من عِنْد الله تَعَالَى فقد كذب ربه تَعَالَى وَهَذَا كفر مُجَرّد وَقد شغب بَعضهم بِأَن هَذِه الْآي قُرِئت لقد علمت بِضَم التَّاء
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكلا الْقِرَاءَتَيْن حق من عِنْد الله تَعَالَى لَا يجوز أَن يرد مِنْهُمَا شَيْء فَنعم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام علم ذَلِك وَفرْعَوْن علم ذَلِك فَهَذِهِ نُصُوص الْقُرْآن وَأما من طَرِيق الْمَعْقُول والمشاهدة وَالنَّظَر فَإنَّا نقُول لَهُم هَل قَامَت حجَّة الله تَعَالَى على الْكفَّار كَمَا قَامَت على الْمُؤمنِينَ بتبين براهينه عز وَجل لَهُم أم لم تقم حجَّة الله تَعَالَى عَلَيْهِم قطّ إِذْ لم يتَبَيَّن الْحق قطّ لكَافِر فَإِن قَالُوا أَن حجَّة الله تَعَالَى لم تقم قطّ على كَافِر إِذْ لم يتَبَيَّن الْحق للْكفَّار كفرُوا بِلَا خلاف من أحد وعذروا الْكفَّار وخالفوا الْإِجْمَاع وَإِن أقرُّوا أَن حجَّة الله تَعَالَى قد قَامَت على الْكفَّار بِأَن الْحق تبين لَهُم صدقُوا وَرَجَعُوا إِلَى الْحق وَإِلَى قَول أهل الْإِسْلَام وبرهان آخر أَن كَانَ أحد منا مذ عقلنا لم نزل نشاهد الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمَا سمعهم أحد إِلَّا مقرين