لوَجَبَ أَن يُسمى كل كَافِر على وَجه الأَرْض مُؤمنا وَأَن يخبر عَنْهُم بِأَن فيهم إِيمَانًا لأَنهم مُؤمنُونَ وَلَا بُد بأَشْيَاء كَثِيرَة مِمَّا فِي الْعَالم يصدقون بهَا هَذَا لَا يُنكره ذُو مسكة من عقل فَلَمَّا صَحَّ إجماعنا وإجماعهم وَإِجْمَاع كل من ينتمي إِلَى الْإِسْلَام على انهم وَإِن صدقُوا بأَشْيَاء كَثِيرَة فَإِنَّهُ لَا يحل لأحد أَن يسميهم مُؤمنين على الْإِطْلَاق وَلَا أَن يَقُول أَن لَهُم إِيمَانًا مُطلقًا أصلا لم يجز لأحد أَن يَقُول فِي الْكَافِر الْمُصدق بِقَلْبِه وَلسَانه بِأَن الله تَعَالَى حق والمصدق بِقَلْبِه أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أَنه مُؤمن وَلَا أَن فِيهِ إِيمَانًا أصلا إِلَّا حَتَّى يَأْتِي بِمَا نقل الله تَعَالَى إِلَيْهِ اسْم الْإِيمَان من التَّصْدِيق بِقَلْبِه وَلسَانه بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن كل مَا جَاءَ بِهِ حق وَأَنه بَرِيء من كل دين غير دينه ثمَّ يتمادى بِإِقْرَارِهِ على مَا لَا يتم إِيمَان إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَتَّى يَمُوت لَكنا نقُول أَن فِي الْكَافِر تَصْدِيقًا بِاللَّه تَعَالَى هُوَ بِهِ مُصدق بِاللَّه تَعَالَى وَلَيْسَ بذلك مُؤمنا وَلَا فِيهِ إِيمَان كَمَا أمرنَا الله تَعَالَى لَا كَمَا أَمر جهم والأشعري
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَبَطل هَذَا القَوْل الْمُتَّفق على تَكْفِير قَائِله وَقد نَص على تكفيرهم أَبُو عبيد الْقَاسِم فِي كِتَابه الْمَعْرُوف برسالة الْإِيمَان وَغَيره وَلنَا كتاب كَبِير نقضنا فِيهِ شبه أهل هَذِه الْمقَالة الْفَاسِدَة كتبناه على رجل مِنْهُم يُسمى عطاف بن دوناس من أهل قيروان إفريقية وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما من قَالَ أَن الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمِيع أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم وكل من بعدهمْ قد صَحَّ إِجْمَاعهم على أَن من أعلن بِلِسَانِهِ بِشَهَادَة الْإِسْلَام فَإِنَّهُ عِنْدهم مُسلم مَحْكُوم لَهُ بِحكم الْإِسْلَام وَبقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السَّوْدَاء أعْتقهَا فَإِنَّهَا مُؤمنَة وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعَمِّهِ أَبُو طَالب قل كلمة أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله عز وَجل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ إِمَّا بِالْإِجْمَاع الْمَذْكُور فَصَحِيح وَإِنَّمَا حكمنَا لَهُم بِحكم الْإِيمَان فِي الظَّاهِر وَلم نقطع على أَنه عِنْد الله تَعَالَى مُؤمن وَهَكَذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ويؤمنوا بِمَا أرْسلت بِهِ فَإِذا فعلوا عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً من قلبه وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّوْدَاء أَنَّهَا مُؤمنَة فَظَاهر الْأَمر كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ قَالَ لَهُ خَالِد بن الْوَلِيد رب مصل يَقُول بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قلبه فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنِّي لم أبْعث لأشق عَن قُلُوب النَّاس وَأما قَوْله لِعَمِّهِ أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله فَنعم يحاج بهَا على ظَاهر الْأَمر وحسابه على الله تَعَالَى فَبَطل كل مَا موهوا بِهِ ثمَّ نبين بطلَان قَوْلهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد أَنه يبين بطلَان قَول هَؤُلَاءِ قَول الله عز وَجل {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون} وَقَوله عز وَجل {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر من الَّذين قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم} وَقَوله