للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على من قَالَ كلمة الْكفْر أَنه كَافِر وَلَيْسَ قَول الله عز وَجل وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا على مَا ظنوه من اعْتِقَاد الْكفْر فَقَط بل كل من نطق بالْكلَام الَّذِي يحكم لقائله عِنْد أهل الْإِسْلَام بِحكم الْكفْر لَا قارياً وَلَا شَاهدا وَلَا حاكياً وَلَا مكْرها فقد شرح بالْكفْر صَدرا بِمَعْنى أَنه شرح صَدره لقبُول الْكفْر الْمحرم على أهل الْإِسْلَام وعَلى أهل الْكفْر أَن يقولوه وَسَوَاء اعتقده أَو لم يَعْتَقِدهُ لِأَن هَذَا الْعَمَل من إعلان الْكفْر على غير الْوُجُوه الْمُبَاحَة فِي إِيرَاده وَهُوَ شرح الصَّدْر بِهِ فَبَطل تمويههم بِهَذِهِ الْآيَة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وبرهان آخر وَهُوَ قَول الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون} فنص الله تَعَالَى على الْإِيمَان أَنه شَيْء قبل نفي الارتياب وَنفي الارتياب لَا يكون ضَرُورَة إِلَّا بِالْقَلْبِ وَحده فصح أَن الْإِيمَان إِذْ هُوَ قبل نفي الارتياب شَيْء آخر غير نفي الارتياب وَالَّذِي قبل نفي الارتياب هُوَ القَوْل بِاللِّسَانِ ثمَّ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَالْجهَاد مَعَ ذَلِك بِالْبدنِ وَالنَّفس وَالْمَال فَلَا يتم الْإِيمَان بِنَصّ كَلَام الله عز وَجل إِلَّا بِهَذِهِ الْأَقْسَام كلهَا فَبَطل بِهَذَا النَّص قَول من زعم أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَحده أَو القَوْل بِاللِّسَانِ وَحده أَو كِلَاهُمَا فَقَط دون الْعَمَل بِالْبدنِ وبرهان آخر وَهُوَ أَن نقُول لَهُم أخبرونا عَن أهل النَّار المخلدين فِيهَا الَّذين مَاتُوا على الْكفْر أهم حِين كَونهم فِي النَّار عارفون بقلوبهم صِحَة التَّوْحِيد والنبوة الَّذِي بجحدهم لكل ذَلِك ادخُلُوا النَّار وَهل هم حيئذ مقرون بذلك بألسنتهم أم لَا وَلَا بُد من أَحدهمَا فَإِن قَالُوا هم عارفون بِكُل ذَلِك مقرون بِهِ بألسنتهم وَقُلُوبهمْ قُلْنَا أهم مُؤمنُونَ أم غير مُؤمنين فَإِن قَالُوا هم غير مُؤمنين قُلْنَا قد تركْتُم قَوْلكُم أَن الْإِيمَان هُوَ الْمعرفَة بِالْقَلْبِ أَو الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ فَقَط أَو كِلَاهُمَا فَقَط فَإِن قَالُوا هَذَا حكم الْآخِرَة قُلْنَا لَهُم فَإِذا جوزتم نقل الْأَسْمَاء عَن موضوعها فِي اللُّغَة فِي الْآخِرَة فَمن أَيْن منعتم من ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَلم تجوزوه لله عز وَجل فِيهَا وَلَيْسَ فِي الحماقة أَكثر من هَذَا وَإِن قَالُوا بل هم مُؤمنُونَ قُلْنَا لَهُم فَالنَّار إِذن أعدت للْمُؤْمِنين لَا للْكَافِرِينَ وَهِي دَار الْمُؤمنِينَ وَهَذَا خلاف الْقُرْآن وَالسّنَن وَإِجْمَاع أهل الْإِسْلَام الْمُتَّقِينَ وَإِن قَالُوا بل هم غير عارفين بِالتَّوْحِيدِ وَلَا بِصِحَّة النُّبُوَّة فِي حَال كَونهم فِي النَّار أكذبهم نُصُوص الْقُرْآن وكذبوا رَبهم عز وَجل فِي إخْبَاره أَنهم عارفون بِكُل ذَلِك هاتفون بِهِ بألسنتهم راغبون فِي الرّجْعَة وَإِلَّا قَالَه نادمون على مَا سلف مِنْهُم وكذبوا نُصُوص الْمَعْقُول وجاهروا بالمحال إِذْ جعلُوا من شَاهد الْقِيَامَة والحساب وَالْجَزَاء غير عَارِف بِصِحَّة ذَلِك فصح بِهَذَا أَن لَا إِيمَان وَلَا كفر إِلَّا مَا سَمَّاهُ الله تَعَالَى إِيمَانًا وَكفرا وشركاً فَقَط وَلَا مُؤمن وَلَا كَافِر وَلَا مُشْرك إِلَّا من سَمَّاهُ الله تَعَالَى بِشَيْء من ذَلِك أما فِي الْقُرْآن وَأما على لِسَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما من قَالَ أَن الْإِيمَان هُوَ العقد بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ دون الْعَمَل بالجوارح فَلَا نكفر من قَالَ بِهَذِهِ الْمقَالة وَإِن كَانَت خطأ وبدعة وَاحْتَجُّوا بِأَن قَالُوا أخبرونا عَمَّن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله وبريء من كل دين حاشا الْإِسْلَام وَصدق بِكُل مَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واعتقد ذَلِك بِقَلْبِه وَمَات إِثْر ذَلِك أمؤمن هُوَ أم لَا فَإِن جَوَابنَا أَنه مُؤمن بِلَا شكّ عِنْد الله عز وَجل وَعِنْدنَا قَالُوا فأخبرونا أناقص الْإِيمَان هُوَ أم كَامِل الْإِيمَان قَالُوا فَإِن قُلْتُمْ أَنه كَامِل الْإِيمَان فَهَذَا قَوْلنَا وَإِن قُلْتُمْ أَنه نَاقص الْإِيمَان سألناكم مَاذَا نَقصه

<<  <  ج: ص:  >  >>