وَفِي سُورَة النِّسَاء محصنات غير مصافحات فَهَذِهِ آيَات فِي غَايَة الْبَيَان فِي أَنه لَيْسَ فِي الأَرْض إِلَّا مُؤمن أَو كَافِر أَو مُؤمنَة أَو كَافِرَة وَلَا يُوجد دين ثَالِث وَأَن المؤمنة حَلَال نِكَاحهَا لِلْمُؤمنِ وَحرَام نِكَاحهَا على الْكَافِر وَأَن الْكِتَابِيَّة حَلَال لِلْمُؤمنِ بالزواج وللكافر فخبرونا إِذا زنت الْمَرْأَة وَهِي غير مُحصنَة أَو وَهِي مُحصنَة أَو إِذا سرقت أَو شربت الْخمر أَو قذفت أَو أكلت مَال يَتِيم أَو تَعَمّدت ترك الْغسْل حَتَّى خُرُوج وَقت الصَّلَاة وَهِي عَالِمَة بذلك أَو لم تخرج زَكَاة مَالهَا فَكَانَت عنْدكُمْ بذلك كَافِرَة أَو بريئة من الْإِسْلَام خَارِجَة عَن الْإِيمَان وخارجة من جملَة الْمُؤمنِينَ أَيحلُّ لِلْمُؤمنِ الْفَاضِل ابْتِدَاء نِكَاحهَا والبقاء مَعهَا على الزَّوْجِيَّة إِن كَانَ قد تزَوجهَا قبل ذَلِك أَو يحرم على أَبِيهَا الْفَاضِل أَو أَخِيهَا الْبر أَن يَكُونَا لَهَا وليين فِي تَزْوِيجهَا وأخبرونا إِذا زنى الرجل أَو سرق أَو قذف أَو أكل مَال يَتِيم أَو فر من الزَّحْف أَو سحر أَو ترك صَلَاة عمدا حَتَّى خرج وَقتهَا أَو لم يخرج زَكَاة مَاله فَصَارَ بذلك عنْدكُمْ كَافِرًا أَو بَرِيئًا من الْإِسْلَام وَخرج عَن الْإِيمَان وَعَن جملَة الْمُؤمنِينَ أيحرم عَلَيْهِ ابْتِدَاء نِكَاح امْرَأَة مُؤمنَة أَو وَطْؤُهَا بِملك الْيَمين أَو تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته المؤمنة الَّتِي فِي عصمته فينفسخ نِكَاحهَا مِنْهُ أَو يحرم عَلَيْهِ أَن يكون وليا لابنته المؤمنة أَو أُخْته المؤمنة فِي تَزْوِيجهَا وَهل يحرم على الَّتِي ذكرنَا وَالرجل الَّذِي ذكرنَا مِيرَاث وليهما الْمُؤمن أَو يحرم على وليهما الْمُؤمن ميراثهما أَو يحرم أكل ذَبِيحَته لِأَنَّهُ قد فَارق الْإِسْلَام فِي زعمكم وَخرج عَن جملَة الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُم كلهم لَا يَقُولُونَ بِشَيْء من هَذَا فَمن الْخلاف الْمُجَرّد مِنْهُم لله تَعَالَى أَن يحرم الله تَعَالَى المؤمنة على من لَيْسَ بِمُؤْمِن فيحلونها هم وَيحرم الله تَعَالَى الَّتِي لَيست مُؤمنَة على الْمُؤمن أَلا أَن تكون كِتَابِيَّة فيحلونها هم وَيقطع الله تَعَالَى الْولَايَة بَين الْمُؤمن وَمن لَيْسَ مُؤمنا فيبقونها فِي الْإِنْكَاح وَيحرم تَعَالَى ذَبَائِح من لَيْسَ مُؤمنا إِلَّا أَن يكون كتابياً فيحلونها هم وَيقطع عز وَجل الموارثة بَين الْمُؤمن وَمن لَيْسَ مُؤمنا فيثبتونها هم وَمن خَالف الْقُرْآن وَثَبت على ذَلِك بعد قيام الْحجَّة عَلَيْهِ فَنحْن نبرأ إِلَى الله تَعَالَى مِنْهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأكْثر هَذِه الْأُمُور الَّتِي ذكرنَا فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين أحد من أهل الْإِسْلَام فِيهَا وَلَا بَين فرقة من الْفرق المنتمية إِلَى الْإِسْلَام وَفِي بَعْضهَا خلاف نشِير إِلَيْهِ لِئَلَّا يظنّ ظان أننا أغفلناه فَمن ذَلِك الْخلاف فِي الزَّانِي والزانية فَإِن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يفْسخ النِّكَاح قبل الدُّخُول بِوُقُوعِهِ من أَحدهمَا وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَغَيره من السّلف لَا يجيزون للزاني ابْتِدَاء نِكَاح مَعَ مسلمة الْبَتَّةَ وَلَا للزانية أَيْضا إِلَّا أَن يتوبا وَبِهَذَا نقُول نَحن لَيْسَ لِأَنَّهُمَا ليسَا مُسلمين بل هما مسلمان وَلكنهَا شَرِيعَة من الله تَعَالَى وَارِدَة فِي الْقُرْآن فِي ذَلِك كَمَا يحرم على الْمحرم النِّكَاح مَا دَامَ محرما وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة أَو مُشركَة والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك وَحرم ذَلِك على الْمُؤمنِينَ}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَفِي هَذِه الْآيَة أَيْضا نَص جلي على أَن الزَّانِي والزانية ليسَا مُشْرِكين لِأَن الله تَعَالَى فرق بَينهمَا فرقا لَا يحْتَمل الْبَتَّةَ أَن يكون على سَبِيل التَّأْكِيد بل على أَنَّهُمَا صفتان مُخْتَلِفَتَانِ وَإِذا لم مُشْرِكين فهما ضَرُورَة مسلمان لما قد بَينا قبل من أَن كل كَافِر فَهُوَ مُشْرك وكل مُشْرك فَهُوَ كَافِر وكل من لم يكن كَافِرًا مُشْركًا فَهُوَ مُؤمن إِذْ لَا سَبِيل إِلَى دين ثَالِث وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَمن الْخلاف فِي بعض مَا ذكرنَا قَول عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَن الْمُسلم إِذا ارْتَدَّ والمسلمة إِذا لم يسلم زَوجهَا فَهِيَ امْرَأَته كَمَا كَانَت إِلَّا أَنه لَا يَطَؤُهَا وَرُوِيَ عَن عمر أَيْضا أَنَّهَا تخير فِي الْبَقَاء مَعَه أَو فِرَاقه وكل هَذَا لَا حجَّة فِيهِ وَلَا حجَّة إِلَّا فِي نَص الْقُرْآن أَو سنة وَارِدَة عَن رَسُول الله