قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأَيْضًا فَإِن الله عز وَجل قد أَمر بقتل الْمُشْركين جملَة وَلم يسْتَثْن مِنْهُم أحدا إِلَّا كتابياً يغرم الْجِزْيَة مَعَ الصغار أَو رَسُولا حَتَّى يُؤَدِّي رسَالَته وَيرجع لي مَاء مِنْهُ مستجيراً ليسمع كَلَام الله تَعَالَى ثمَّ يبلغ إِلَى مأمنه وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل من بدل دينه فنسأل كل من قَالَ بِأَن صَاحب الْكَبِيرَة قد خرج من الْإِيمَان وَبَطل إِسْلَامه وَصَارَ فِي دين آخر إِمَّا الْكفْر وَإِمَّا الْفسق إِذا كَانَ الزَّانِي وَالْقَاتِل السَّارِق والشارب للخمر والقاذف والفار من الزَّحْف وآكل مَال الْيَتِيم قد خرج عَن الْإِسْلَام وَترك دينه أيقتلونه كَمَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا يقتلونه ويخالفون الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن قَوْلهم كلهم خوارجهم ومعتزليهم أَنهم لَا يقتلونه وَأما فِي بعض ذَلِك حُدُود مَعْرُوفَة من قطع يدا وَجلد مائَة أَو ثَمَانِينَ وَفِي بعض ذَلِك أدب فَقَط وَأَنه لَا يحل الدَّم بِشَيْء من ذَلِك وَهَذَا انْقِطَاع ظَاهر وَبطلَان لقَولهم لَا خَفَاء بِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا خلاف الْإِجْمَاع الْمُتَيَقن وَخلاف لِلْقُرْآنِ مُجَرّد لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا} فقد حرم الله تَعَالَى قَتلهمْ وافترض استبقاءهم مَعَ إصرارهم وَلم يَجْعَل فيهم إِلَّا رد شَهَادَتهم فَقَط وَلَو جَازَ قَتلهمْ فَكيف كَانُوا يؤدون شَهَادَة لَا تقبل بعد قَتلهمْ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَالَ الله عز وَجل {لَا إِكْرَاه فِي الدّين قد تبين الرشد من الغي فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لَا انفصام لَهَا}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد لَا خلاف بَيْننَا وَبينهمْ وَلَا بَين أحد من الْأمة فِي أَن من كفر بالطاغوت وآمن بِاللَّه واستمسك بالعروة الوثقى الَّتِي لَا انفصام لَهَا فَإِنَّهُ مُؤمن مُسلم فَلَو كَانَ الْفَاسِق غير مُؤمن لَكَانَ كَافِرًا وَلَا بُد وَلَو كَانَ كَافِرًا لَكَانَ مُرْتَدا يجب قَتله وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق قَالَ الله عز وَجل {مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله شَاهِدين على أنفسهم بالْكفْر أُولَئِكَ حبطت أَعْمَالهم} وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَلم يخْش إِلَّا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا من المهتدين} فَوَجَبَ يَقِينا بِأَمْر الله عز وَجل أَن لَا يتْرك يعمر مَسَاجِد الله بِالصَّلَاةِ فِيهَا إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ وَكلهمْ مُتَّفق مَعنا على أَن الْفَاسِق صَاحب الْكَبَائِر مدعُو مُلْزم عمَارَة الْمَسَاجِد بِالصَّلَاةِ مجبر على ذَلِك وَفِي إِجْمَاع الْأمة كلهَا على ذَلِك وعَلى تَركهم يصلونَ مَعنا وإلزامهم أَدَاء الزَّكَاة وَأَخذهَا مِنْهُم وإلزامهم صِيَام رَمَضَان وَحج الْبَيْت برهَان وَاضح لَا إِشْكَال فِيهِ على أَنه لم يخرج عَن دين الْمُؤمنِينَ وَأَنه مُسلم مُؤمن وَقَالَ عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهدى} إِلَى قَوْله تعال {الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ} فخاطب تَعَالَى الْمُؤمنِينَ باياس الْكَافرين عَن دينهم وَلَا سَبِيل إِلَى قسم ثَالِث وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} فصح أَن لَا دين إِلَّا دين الْإِسْلَام وَمَا عداهُ شَيْء غير مَقْبُول وَصَاحبه يَوْم الْقِيَامَة خاسر وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَقَالَ عز وَجل {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} وَقَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم فمنكم كَافِر ومنكم مُؤمن وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} فصح يَقِينا أَنه لَيْسَ فِي النَّاس وَلَا فِي الْجِنّ إِلَّا مُؤمن أَو كَافِر