فِي صِفَات الله عز وَجل فَهُوَ كَافِر وَإِن كَانَ فِيمَا دون ذَلِك فَهُوَ فَاسق وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه لَا يكفر وَلَا يفسق مُسلم بقول قَالَه فِي اعْتِقَاد أَو فتيا وَإِن كل من اجْتهد فِي شَيْء من ذَلِك فدان بِمَا رأى أَنه الْحق فَإِنَّهُ مأجور على كل حَال أَن أصَاب الْحق فأجران وَإِن أَخطَأ فأجر وَاحِد وَهَذَا قَول ابْن أبي ليلِي وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَدَاوُد بن عَليّ رَضِي الله عَن جَمِيعهم وَهُوَ قَول كل من عرفنَا لَهُ قولا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لَا نعلم مِنْهُم فِي ذَلِك خلافًا أصلا إِلَّا مَا ذكرنَا من اخْتلَافهمْ فِي تَكْفِير من ترك صَلَاة مُتَعَمدا حَتَّى خرج وَقتهَا أَو ترك أَدَاء الزَّكَاة أَو ترك الْحَج أَو ترك صِيَام رَمَضَان أَو شرب الْخمر وَاحْتج من كفر بِالْخِلَافِ فِي الاعتقادات بأَشْيَاء نوردها إِن شَاءَ الله عز وَجل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذكرُوا حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْقَدَرِيَّة والمرجئية مجوس بِهَذِهِ الْأمة وحديثاً آخر تفترق هَذِه الْأمة على بضع وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار حاشى وَاحِدَة فَهِيَ فِي الْجنَّة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد هَذَانِ حديثان لَا يصحان أصلا من طَرِيق الْإِسْنَاد وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ حجَّة عِنْد من يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد فَكيف من لَا يَقُول بِهِ وَاحْتَجُّوا بالْخبر الثَّابِت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِر فقد بَاء بالْكفْر أَحدهمَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالْحق هُوَ أَن كل من ثَبت لَهُ عقد الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يَزُول عَنهُ إِلَّا بِنَصّ أَو إِجْمَاع وَأما بِالدَّعْوَى والافتراء فَلَا فَوَجَبَ أَن لَا يكفر أحد بقول قَالَه إِلَّا بِأَن يُخَالف مَا قد صَحَّ عِنْده أَن الله تَعَالَى قَالَه أَو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه فيستجيز خلاف الله تَعَالَى وَخلاف رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَوَاء كَانَ ذَلِك فِي عقد دين أَو فِي نحلة أَو فِي فتيا وَسَوَاء كَانَ مَا صَحَّ من ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْقُولًا نقل إِجْمَاع تواتروا أَو نقل آحَاد إِلَّا أَن من خَالف الْإِجْمَاع الْمُتَيَقن الْمَقْطُوع على صِحَّته فَهُوَ أظهر فِي قطع حجَّته وَوُجُوب تكفيره لِاتِّفَاق الْجَمِيع على معرفَة الْإِجْمَاع وعَلى تَكْفِير مُخَالفَته برهَان صِحَة قَوْلنَا قَول الله تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً}
قَالَت أَبُو مُحَمَّد هَذِه الْآيَة نَص بتكفير من فعل ذَلِك فَإِن قَالَ قَائِل أَن من اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ فَلَيْسَ من الْمُؤمنِينَ قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق لَيْسَ كل من اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ كَافِرًا لِأَن الزِّنَا وَشرب الْخمر وَأكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ لَيست من سَبِيل الْمُؤمنِينَ وَقد علمنَا أَن من اتبعها فقد اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ وَلَيْسَ مَعَ ذَلِك كَافِرًا وَلَكِن الْبُرْهَان فِي هَذَا قَول الله عز وَجل {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا}