للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل لَا يُمكن لِأَنَّهُ كَانَ يكون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ لَئِن ضيق الله عَليّ ليضيقن عَليّ وَأَيْضًا فَلَو كَانَ هَذَا لما كَانَ لأَمره بِأَن يحرق ويذر رماده معنى وَلَا شكّ فِي أَنه إِنَّمَا أمره بذلك ليفلت من عَذَاب الله تَعَالَى

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأبين من شَيْء فِي هَذَا قَول الله تَعَالَى {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} إِلَى قَوْله {ونعلم إِن قد صدقتنا} فَهَؤُلَاءِ الحواريون الَّذين أثنى الله عز وَجل عَلَيْهِم قد قَالُوا بِالْجَهْلِ لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء وَلم يبطل بذلك إِيمَانهم وَهَذَا مَا لَا مخلص مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانُوا يكفرون لَو قَالُوا ذَلِك بعد قيام الْحجَّة وتبيينهم لَهَا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وبرهان ضَرُورِيّ لَا خلاف فِيهِ وَهُوَ أَن الْأمة مجمعة كلهَا بِلَا خلاف من أحد مِنْهُم وَهُوَ أَن كل من بدل آيَة من الْقُرْآن عَامِدًا وَهُوَ يدْرِي أَنَّهَا فِي الْمَصَاحِف بِخِلَاف ذَلِك وَأسْقط كلمة عمدا كَذَلِك أَو زَاد فِيهَا كلمة عَامِدًا فَإِنَّهُ كَافِر بِإِجْمَاع الْأمة كلهَا ثمَّ أَن الْمَرْء يُخطئ فِي التِّلَاوَة فيزيد كلمة وَينْقص أُخْرَى ويبدل كَلَامه جَاهِلا مُقَدرا أَنه مُصِيب ويكابر فِي ذَلِك ويناظر قبل أَن يتَبَيَّن لَهُ الْحق وَلَا يكون بذلك عِنْد أحد من الْأمة كَافِرًا وَلَا فَاسِقًا وَلَا آثِما فَإِذا وقف على الْمَصَاحِف أَو أخبرهُ بذلك من الْقُرَّاء من تقوم الْحجَّة بِخَبَرِهِ فَإِن تَمَادى على خطاه فَهُوَ عِنْد الْأمة كلهَا كَافِر بذلك لَا محَالة وَهَذَا هُوَ الحكم الْجَارِي فِي جَمِيع الدّيانَة

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَاحْتج بَعضهم بِأَن قَالَ الله تَعَالَى {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَآخر هَذِه الْآيَة مُبْطل لتأويلهم لِأَن الله عز وَجل وصل قَوْله يحسنون صنعا بقوله {أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم ولقائه فحبطت أَعْمَالهم فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا ذَلِك جزاؤهم جَهَنَّم بِمَا كفرُوا وَاتَّخذُوا آياتي ورسلي هزوا} فَهَذَا يبين أَن أول الْآيَة فِي الْكفَّار الْمُخَالفين لديانة الْإِسْلَام جملَة ثمَّ نقُول لَهُم لَو نزلت هَذِه الْآيَة فِي المتأولين من جملَة أهل الْإِسْلَام كَمَا تَزْعُمُونَ لدخل فِي جُمْلَتهَا كل متأول مُخطئ فِي تَأْوِيل فِي فتيا لزمَه تَكْفِير جَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لأَنهم قد اخْتلفُوا وبيقين نَدْرِي أَن كل امرء مِنْهُم فقد يُصِيب ويخطئ بل يلْزمه تَكْفِير جَمِيع الْأمة لأَنهم كلهم لَا بُد من ان يُصِيب كل امْرِئ مِنْهُم ويخطئ بل يلْزمه تَكْفِير نَفسه لِأَنَّهُ لَا بُد لكل من تكلم فِي شَيْء من الدّيانَة من أَن يرجع عَن قَول قَالَه إِلَى قَول آخر يتَبَيَّن أَنه أصح إِلَّا أَن يكون مُقَلدًا فَهَذِهِ أَسْوَأ لِأَن التَّقْلِيد خطأ كُله لَا يَصح وَمن بلغ إِلَى هَا هُنَا فقد لَاحَ غوامر قَوْله وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَقد أقرّ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يفهم آيَة الْكَلَالَة فَمَا كفره بذلك وَلَا فسقه وَلَا أخبرهُ أَنه آثم بذلك لَكِن أغْلظ لَهُ فِي كَثْرَة تكراره السُّؤَال عَنْهَا فَقَط وَكَذَلِكَ أَخطَأ جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفتيا فَبَلغهُ عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك فَمَا كفر بذلك أحد مِنْهُم وَلَا فسقه وَلَا جعله بذلك إِثْمًا لِأَنَّهُ لم يعانده عَلَيْهِ السَّلَام أحد مِنْهُم وَهَذَا كفتيا أبي السنابل بن بعكعك فِي آخر الْأَجَليْنِ وَالَّذين أفتوا على الزَّانِي غير الْمُحصن الرَّجْم وَقد تقصينا هَذَا فِي كتَابنَا المرسوم بِكِتَاب الْأَحْكَام فِي أصُول الْأَحْكَام هَذَا وَأَيْضًا فَإِن الْآيَة الْمَذْكُورَة

<<  <  ج: ص:  >  >>