لله وَإِنِّي لست كهيئتكم وَإِنِّي لست مثلكُمْ فَإذْ قد صَحَّ بِالنَّصِّ أَن فِي النَّاس من لم يجترح السَّيئَة وَإِن من اجترح السيآت لَا يساويهم عِنْد الله عز وَجل فالأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام أَحَق بِهَذِهِ الدرجَة وَبِكُل فَضِيلَة بِلَا خلاف من أحد من أهل الْإِسْلَام بقول الله عز وَجل {الله يصطفي من الْمَلَائِكَة رسلًا وَمن النَّاس} فَأخْبر تَعَالَى أَن الرُّسُل صفوته من خلقه وَقد اعْترض علينا بعض الْمُخَالفين بِأَن قَالَ فَمَا تَقول فِيمَن بلغ فَآمن وَذكر الله مَرَّات وَمَات إِثْر ذَلِك أَو فِي كَافِر أسلم وَقَاتل مُجَاهدًا وَقتل فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن نقُول أما من كَانَ كَافِرًا ثمَّ أسلم فقد اجترح من السيئآت بِكُفْرِهِ مَا هُوَ أعظم من السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِن كَانَ قد غفر لَهُ بإيمانه وَلَكِن قد حصل بِلَا شكّ من جملَة من قد اجترح السيئآت وَأما من بلغ فَآمن وَذكر الله تَعَالَى ثمَّ مَاتَ فقد كَانَ هَذَا مُمكنا فِي طبيعة الْعَالم وَفِي بنيته لَوْلَا قَول الله عز وَجل {أم حسب الَّذين اجترحوا السيئآت أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سآء مَا يحكمون} فَإِن الله تَعَالَى قطع قطعا لَا يردهُ إِلَّا كَافِر بِأَنَّهُ لَا يَجْعَل من اجترح السَّيِّئَات كمن لم يجترحها وَنحن نوقن أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وهم أفضل النَّاس بعد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لَيْسَ مِنْهُم أحد إِلَّا وَقد اجترح سَيِّئَة فَكَانَ يلْزم على هَذَا أَن يكون من أسلم أثر بُلُوغه وَمَات أفضل من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَهَذَا خلاف قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَو كَانَ لِأَحَدِنَا مثل أحد ذَهَبا فأنفقه لم يبلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه فَإِذا هَذَا كَمَا قُلْنَا فَقَوْل الله عز وَجل وَقَول رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق بالتصديق لَا سِيمَا مَعَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام مَا من أحد إِلَّا ألم بذنب أَو كَاد إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا فَنحْن نقطع قطعا بِمَا ذكرنَا أَنه لَا سَبِيل إِلَى أَن يبلغ أحد حد التَّكْلِيف إِلَّا وَلَا بُد لَهُ من أَن يجترح سيئآت الله أعلم بهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمن الْبُرْهَان على أَنه لم يكن الْبَتَّةَ أَن يَعْصِي نَبِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين لما قَالَ لَهُ الْأنْصَارِيّ هلا أَوْمَأت إِلَى فِي قصَّة عبد الله بن سعد بن أبي سرح فنفي عَلَيْهِ السَّلَام عَن جَمِيع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أَن تكون لَهُم خَائِنَة الْأَعْين وَهُوَ أخف مَا يكون من الذُّنُوب وَمن خلاف الْبَاطِن للظَّاهِر فَدخل فِي هَذَا جَمِيع الْمعاصِي صغيرها أَو كبيرها سرها وجهرها.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأَيْضًا فإننا مندوبون إِلَى الإقتداء بالأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَإِلَى الإيتساء بهم فِي أفعالهم كلهَا قَالَ الله تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر} وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده} فصح يَقِينا أَنه لَو جَازَ أَن يَقع من أحد من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ذَنْب تعمدا صَغِيرا وكبيراً كَانَ الله عز وَجل قد حضنا على الْمعاصِي وندبنا إِلَى الذُّنُوب وَهَذَا كفر مُجَرّد مِمَّن أجَازه فقد صَحَّ يَقِينا ان جَمِيع أَفعَال الْأَنْبِيَاء الَّتِي يقصدونها خير وَحقّ.