دَلِيل تَوْفِيقًا من الله عز وَجل لَهُ وتيسيراً لما خلق لَهُ من الْخَيْر وَالْحُسْنَى فَهَؤُلَاءِ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى برهَان وَلَا تَكْلِيف اسْتِدْلَال وَهَؤُلَاء هم جُمْهُور النَّاس من الْعَامَّة وَالنِّسَاء والتجار والصناع والاكرة والعباد وَأَصْحَاب الحَدِيث الأيمة الَّذين يذمون الْكَلَام والجدل والمرآء فِي الدّين
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) هم الَّذين قَالَ لَهُم الله فيهم {وَلَكِن الله حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق والعصيان أُولَئِكَ هم الراشدون فضلا من الله ونعمة وَالله عليم حَكِيم} وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجاً كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء}
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) قد سمى الله عز وَجل راشدين الْقَوْم الَّذين زين الْإِيمَان فِي قُلُوبهم وحببه إِلَيْهِم وَكره إِلَيْهِم الْكفْر والمعاصي فضلا مِنْهُ ونعمة وَهَذَا هُوَ خلق الله تَعَالَى للْإيمَان فِي قُلُوبهم إبتداه وعَلى ألسنتهم وَلم يذكر الله تَعَالَى فِي ذَلِك اسْتِدْلَالا أصلا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مقلدين لابائهم ولالكبرائهم لِأَن هَؤُلَاءِ مقرون بألسنتهم محققون فِي قُلُوبهم إِن أباءهم ورؤساءهم لَو كفرُوا لما كفرُوا هم بل كَانُوا يسْتَحلُّونَ قتل أبائهم وَرُؤَسَائِهِمْ والبرأة مِنْهُم ويحسون من أنفسهم النفار الْعَظِيم عَن كل مَا سمعُوا مِنْهُ مَا يُخَالف الشَّرِيعَة ويرون أَن حرقهم بالنَّار أخف عَلَيْهِم من مُخَالفَة الْإِسْلَام وَهَذَا أَمر قد عَرفْنَاهُ من أَنْفُسنَا حسا وشاهدناه فِي ذواتنا يَقِينا فَلَقَد بَقينَا سِنِين كَثِيرَة وَلَا نَعْرِف الِاسْتِدْلَال وَلَا وجوهه وَنحن وَللَّه الْحَمد فِي غَايَة الْيَقِين بدين الْإِسْلَام وكل مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجد أَنْفُسنَا فِي غَايَة السّكُون إِلَيْهِ وَفِي غَايَة النفار عَن كل مَا يعْتَرض فِيهِ بشك وَلَقَد كَانَت تخطر فِي قُلُوبنَا خطرات سوء فِي خلال ذَلِك ينبذها الشَّيْطَان فنكاد لشدَّة نفارنا عَنْهَا أَن نسْمع خفقان قُلُوبنَا استبشاعاً لَهما كَمَا أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالُوا لَهُ أَن أَحَدنَا ليحدث نَفسه بالشئ مَا أَنه يقدم فَتضْرب عُنُقه أحب إِلَيْهِ أَن يتَكَلَّم بِهِ فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن ذَلِك مَحْض الْإِيمَان وَأخْبر أَنه من وَسْوَسَة الشَّيْطَان وَأمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك بِمَا أَمر بِهِ من التَّعَوُّذ وَالْقِرَاءَة والتفل عَن الْيَسَار ثمَّ تعلمنا طرق الِاسْتِدْلَال وأحكمناها وَللَّه تَعَالَى الْحَمد فَمَا زادنا يَقِينا على مَا كُنَّا بل عرفنَا أننا كُنَّا ميسرين للحق وصرنا كمن عرف وَقد أَيقَن بِأَن الْفِيل مَوْجُود سماعهَا وَلم يره ثمَّ رَآهُ فَلم يَزْدَدْ يَقِينا بِصِحَّة نِيَّته أصلا لَكِن أرانا صَحِيح الِاسْتِدْلَال رفض بعض الآراء الْفَاسِدَة الَّتِي نشأنا عَلَيْهَا فَقَط كالقول فِي الدّين بِالْقِيَاسِ وَعلمنَا أَنا كُنَّا مقتدين بالْخَطَأ فِي ذَلِك وَللَّه تَعَالَى الْحَمد وَأَن الْمُخَالفين لنا ليعرفون من أنفسهم مَا ذكرنَا إِلَّا أَنهم يلْزمهُم أَن يشْهدُوا على أنفسهم بالْكفْر قبل استدلالهم وَلَا بُد فصح بِمَا قُلْنَا إِن كل من امحض اعْتِقَاد الْحق بِقَلْبِه وَقَالَهُ بِلِسَانِهِ فهم مُؤمنُونَ محققون وَلَيْسوا مقلدين أصلا وَإِنَّمَا كَانُوا مقلدين لَو أَنهم قَالُوا وإعتقدوا أننا إِنَّمَا نتبع فِي الدّين آبَاءَنَا وكبرآءنا فَقَط وَلَو أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute