للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا خطأ لِأَن الْإِصْرَار لَا يكون إِلَّا على مَا قد فعله الْمَرْء بعد تماد عَلَيْهِ أَن يَفْعَله وَأما من هم بِمَا لم يفعل بعد فَلَيْسَ إصراراً قَالَ الله تَعَالَى {وَلم يصروا على مَا فعلوا وهم يعلمُونَ} ثمَّ نسألهم عَمَّن عمل بالسيئات حاشا الْكَبَائِر عددا عَظِيما وَلم يَأْتِ كَبِيرَة قطّ وَمَات على ذَلِك أيجزون أَن يعذبه الله تَعَالَى على مَا عمل من السَّيِّئَات أم يَقُولُونَ أَنَّهَا مغفورة لَهُ وَلَا بُد فَإِن قَالُوا أَنَّهَا مغفورة ولابد صدقُوا وَكَانُوا قد خصوا قَوْله تَعَالَى وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء وَتركُوا حمل هَذِه الْآيَة على عمومها فَلَا ينكروا ذَلِك على من خصها أَيْضا بِنَصّ آخر وَإِن قَالُوا بل جَائِز أَن يعبهم الله تَعَالَى على ذَلِك أكذبهم الله تَعَالَى بقوله {أَن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} ونعوذ بِاللَّه من تَكْذِيب اله عز وَجل ثمَّ نسألهم عَمَّن عمل من الْكَبَائِر وَمَات عَلَيْهَا وَعمل حَسَنَات رجحت بكبائره عِنْد الموازنة أَيجوزُ أَن يعذبه الله تَعَالَى بِمَا عمل من تِلْكَ الْكَبَائِر أم مغفورة لَهُ سَاقِطَة عَنهُ فَإِن قَالُوا بل هِيَ مغفورة وساقطة عَنهُ صدقُوا أَو كَانُوا قد خصوا عُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} وَجعلُوا هَؤُلَاءِ مِمَّن شَاءَ وَلَا بُد أَن يغْفر لَهُم وَإِن قَالُوا بل جايز أَن يعذبهم أكذبهم الله تَعَالَى بقوله {فَأَما من ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ فِي عيشة راضية} وَبِقَوْلِهِ {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السيئآت}

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَكَذَلِكَ القَوْل فِيمَن تَسَاوَت حَسَنَاته وكبائره وهم أهل الْأَعْرَاف فَلَا يُعَذبُونَ أصلا فقد صَحَّ يَقِينا أَن هَؤُلَاءِ الطَّبَقَات الْأَرْبَع هم الَّذين شَاءَ الله تَعَالَى أَن يغْفر لَهُم بِلَا شكّ فَبَقيَ الَّذين لم يَشَاء الله تَعَالَى أَن يغْفر لَهُم وَلم يبْق من الطَّبَقَات أحد إِلَّا من رجحت كبائره فِي الموازنة على حَسَنَاته فهم الَّذين يجاوزون بِقدر ذنوبهم ثمَّ يخرجُون من النَّار بالشفاعة وبرحمة الله عز وَجل فَقَالُوا من هَؤُلَاءِ من يغْفر الله تَعَالَى وَمِنْهُم من يعذبه قُلْنَا لَهُم أعندكم بِهَذَا الْبَيَان نَص وهم لَا يجدونه أبدا فَظهر تحكمهم بِلَا برهَان وخلافهم لجَمِيع الْآيَات الَّتِي تعلقوا بهَا فَإِنَّهُم مقرون على أَنَّهَا لَيست على عمومها بل هِيَ مَخْصُوصَة لِأَن الله تَعَالَى قَالَ إِن الله لَا يغْفر إِن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء وَلَا خلاف فِي أَنه تَعَالَى يغْفر الشّرك لمن آمن فصح أَنَّهَا مجملة تفسرها سَائِر الْآيَات وَالْأَخْبَار وَكَذَلِكَ حَدِيث عبَادَة خمس صلوَات كتبهن الله تَعَالَى على الْعباد من جَاءَ بِهن لم ينقص من حدودهن شَيْئا كَانَ لَهُ الله عهد أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد أَن شَاءَ غفر لَهُ وَإِن شَاءَ عذبه فَإِنَّهُم متفقون على أَن من جَاءَ بِهن لم ينتقص من حدودهن شَيْئا إِلَّا أَنه قتل وزنى وسرق فَإِنَّهُ قد يعذب وَيَقُولُونَ إِن لم يَأْتِ بِهن فَإِنَّهُ لَا يعذب على التَّأْبِيد بل يعذب ثمَّ يخرج عَن النَّار

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) هَذَا ترك مِنْهُم أَيْضا لظَاهِر هَذَا الْخَبَر

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَلَا فرق بَين قَول الله تَعَالَى {فَأَما من ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ فِي عيشة راضية} وَبَين قَوْله {وَأما من خفت مَوَازِينه فأمه هاوية} كِلَاهُمَا خبر أَن جازإبطال أَحدهمَا جَازَ إبِْطَال ت الْأَرْبَع هم الَّذين شَاءَ الله تَعَالَى أَن يغْفر لَهُم بِلَا شكّ فَبَقيَ الَّذين لم يَشَاء الله تَعَالَى أَن يغْفر لَهُم

<<  <  ج: ص:  >  >>