للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَذَاب الْقَبْر وَهُوَ قَول من لَقينَا من الْخَوَارِج وَذهب أهل السّنة وَبشر بن الْمُعْتَمِر والجبائي وَسَائِر الْمُعْتَزلَة إِلَى القَوْل بِهِ وَبِه نقُول لصِحَّة الْآثَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَقد احْتج من أنكرهُ بقول الله تَعَالَى {رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم} الْآيَة

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا حق لَا يدْفع عَذَاب الْقَبْر لِأَن فتْنَة الْقَبْر وعذابه وَالْمَسْأَلَة إِنَّمَا هِيَ للروح فَقَط بعد فِرَاقه للجسد إِثْر ذَلِك قبر أَو لم يقبر برهَان ذَلِك قَول الله تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم أخرجُوا أَنفسكُم الْيَوْم} الْآيَة وَهَذَا قبل الْقِيَامَة بِلَا شكّ وَأثر الْمَوْت وَهَذَا عَذَاب الْقَبْر وَقَالَ {وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة} وَقَالَ الله تَعَالَى فِي آل فِرْعَوْن {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً وَيَوْم تقوم السَّاعَة ادخُلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} فَهَذَا الْعرض المكور هُوَ عَذَاب الْقَبْر وَإِنَّمَا قيل عَذَاب الْقَبْر فأضيف إِلَى الْقَبْر لِأَن الْمَعْهُود فِي أَكثر الْمَوْتَى أَنهم يقبرون وَقد علمنَا أَن فيهم أكيل السَّبع والغريق تَأْكُله دَوَاب الْبَحْر والمحرق والمصلوب وَالْمُعَلّق فَلَو كَانَ على مَا يقدر من يظنّ أَنه لاعذاب إِلَّا فِي الْقَبْر الْمَعْهُود لما كَانَ هَؤُلَاءِ فتْنَة وَلَا عَذَاب قبر وَلَا مَسْأَلَة ونعوذ بِاللَّه من هَذَا بل كل ميت فَلَا بُد من فتْنَة وسؤال وَبعد ذَلِك سرُور أَو نكد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيُوَفَّوْنَ حِينَئِذٍ أُجُورهم وينقلبون إِلَى الْجنَّة أَو النَّار وَأَيْضًا فَإِن جَسَد كل إِنْسَان فَلَا بُد من الْعود إِلَى التُّرَاب يَوْمًا مَا كَمَا قَالَ اله تَعَالَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى} فَكل من ذكرنَا من مصلوب أَو مُعَلّق أَو محرق أَو أكيل سبع أَو دَابَّة فَإِنَّهُ يعود رَمَادا أَو رجيعا أَو يتقطع فَيَعُود إِلَى الأَرْض وَلَا بُد وكل مَكَان اسْتَقَرَّتْ فِيهِ النَّفس أثر خُرُوجهَا من الْجَسَد فَهُوَ قبر لَهَا إِلَى يَوْم اليقيامة وَأما من ظن أَن الْمَيِّت يحيى فِي قَبره فخطأ لِأَن الْآيَات الَّتِي ذكرنَا تمنع من ذَلِك وَلَو كَانَ ذَلِك لَكَانَ تَعَالَى قد أماتنا ثَلَاثًا وَأَحْيَانا ثَلَاثًا وَهَذَا بَاطِل وَخلاف الْقُرْآن إِلَّا من أَحْيَاهُ الله تَعَالَى آيَة لنَبِيّ من الْأَنْبِيَاء {الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت فَقَالَ لَهُم الله موتوا ثمَّ أحياهم} {كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية على عروشها قَالَ إِنِّي يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه} وَكَذَلِكَ الله قَوْله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} إِلَى قَوْله {إِلَى أجل مُسَمّى} فصح بِنَصّ الْقُرْآن أَن روح من مَاتَ لَا يرجع إِلَى جسده إِلَّا إِلَى أجل مُسَمّى وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَلِكَ أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى الْأَرْوَاح لَيْلَة أسرى بِهِ عِنْد سَمَاء الدُّنْيَا عَن يَمِين آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَرْوَاح أهل السَّعَادَة وَعَن شِمَاله أَرْوَاح أهل الشَّقَاء وَأخْبر عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم بدر إِذْ خَاطب الْقَتْلَى وَأخْبر أَنهم وجدوا مَا توعدهم بِهِ حَقًا قبل أَن يكون لَهُم قُبُور فَقَالَ الْمُسلمُونَ يَا رَسُول الله أتخاطب قوما قد جيفوا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم فَلم يُنكر عَلَيْهِ السَّلَام على الْمُسلمين قَوْلهم أَنهم قد جيفوا وأعلمهم أَنهم سامعون فصح أَن ذَلِك لأرواحهم فَقَط بِلَا شكّ وَأما الْجَسَد فَلَا حس لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>