إِلَى أَن الْأَرْوَاح أَعْرَاض تفنى وَلَا تبقى وَقْتَيْنِ فَإِذا مَاتَ الْمَيِّت فَلَا روح هُنَالك أصلا وَمن عجائب أَصْحَاب هَذِه الْمقَالة الْفَاسِدَة قَوْلهم أَن روح الْإِنْسَان الْآن غير روحه قبل ذَلِك وَأَنه لَا يَنْفَكّ تحدث لَهُ روح ثمَّ تفنى ثمَّ روح ثمَّ تفني وَهَكَذَا أبدا وَإِن الْإِنْسَان يُبدل ألف ألف روح وَأكْثر فِي مِقْدَار أقل من سَاعَة زمانية وَهَذَا يشبه تَخْلِيط من هاج بِهِ البرسام وَزَاد بَعضهم فَقَالَ إِن صحت الْآثَار فِي عَذَاب الْأَرْوَاح فَإِن الْحَيَاة ترد إِلَى أقل جُزْء لَا يتَجَزَّأ من الْجِسْم فَهُوَ يعذب وَهَذَا أَيْضا حمق آخر ودعاوي فِي غَايَة الْفساد وَبَلغنِي عَن بَعضهم انه يزْعم أَن الْحَيَاة ترد إِلَى عجب الذَّنب فَهُوَ يعذب أَو ينعم وَتعلق بِالْحَدِيثِ الثَّابِت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل ابْن آدم يَأْكُلهُ التُّرَاب إِلَّا عجب الذَّنب مِنْهُ خلق وَفِيه يركب
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا الْخَبَر صَحِيح إِلَّا أَنه لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَن عجب الذَّنب يحيا وَلَا أَنه يركب فِيهِ حَيَاة وَلَا أَنه يعذب وَلَا ينْتَقم وَهَذَا كُله مفحم فِي كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا فِي الحَدِيث أَن عجب الذَّنب خَاصَّة لَا يَأْكُلهُ التُّرَاب فَلَا يحول تُرَابا وَأَنه مِنْهُ ابْتِدَاء خلق الْمَرْء وَمِنْه يبتدأ إنشاؤه ثَانِيَة فَقَط وَهَذَا خَارج أحسن خُرُوج على ظَاهره وَأَن عجب الذَّنب خَاصَّة تتبدد أجزاؤه وَهِي عِظَام تحسها لَا تحول تُرَابا وَأَن الله تَعَالَى بيتدىء الْإِنْشَاء الثَّانِي يجمعها ثمَّ يركب تَمام الْخلق للْإنْسَان عَلَيْهِ وَأَنه أول مَا خلق من جسم الْإِنْسَان ثمَّ ركب عَلَيْهِ سائره وَإِذ هَذَا مُمكن لَو لم يَأْتِ بِهِ نَص فخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق بالتصديق من كل خبر لِأَنَّهُ عَن الله عز وَجل قَالَ تَعَالَى {هُوَ أعلم بكم إِذْ أنشأكم من الأَرْض وَإِذ أَنْتُم أجنة فِي بطُون أُمَّهَاتكُم} وَقَالَ تَعَالَى {مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خلق أنفسهم} وَقَالَ أَبُو بكر بن كيسَان الْأَصَم لَا أَدْرِي مَا الرّوح وَلم يثبت شَيْء غير الْجَسَد
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وسنبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَسَاد هَاتين المقالتين فِي بَاب الْكَلَام فِي الرّوح وَالنَّفس من كتَابنَا هَذَا بحول الله وقوته وَالَّذِي نقُول بِهِ فِي مُسْتَقر الْأَرْوَاح هُوَ مَا قَالَه تَعَالَى وَنبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتعداه فَهُوَ الْبُرْهَان الْوَاضِح وَهُوَ أَن الله تَعَالَى قَالَ {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا} فصح أَن الله عز وَجل خلق الْأَرْوَاح جملَة وَهِي الْأَنْفس وَكَذَلِكَ أخبر عَلَيْهِ السَّلَام أَن الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهِي الْعَاقِلَة الحساسة وَأخذ عز وَجل عهدها وشهادتها وَهِي مخلوقة مصورة عَاقِلَة قبل أَن يَأْمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم على جَمِيعهم السَّلَام وَقبل أَن يدخلهَا فِي الأجساد والأجساد يَوْمئِذٍ تُرَاب وَمَاء ثمَّ أقرها تَعَالَى حَيْثُ شَاءَ لِأَن الله تَعَالَى ذكر ذَلِك بِلَفْظَة ثمَّ الَّتِي توجب التعقيب والمهلة ثمَّ أقرها عز وَجل حَيْثُ شَاءَ وَهُوَ البرزخ الَّذِي ترجع إِلَيْهِ عِنْد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute