وَإِلَّا فَكف مَا قدرُوا على كَفه مِنْهُ وَلَو قَضِيَّة وَاحِدَة لَا يجوز غير ذَلِك ثمَّ اتّفق من ذكرنَا مِمَّن يرى فرض الْإِمَامَة على أَنه لَا يجوز كَون إمامين فِي وَقت وَاحِد فِي الْعَالم وَلَا يجوز إِلَّا إِمَام وَاحِد إِلَّا مُحَمَّد بن كرام السجسْتانِي وَأَبا الصَّباح السَّمرقَنْدِي وأصحابهما فَإِنَّهُم أَجَازُوا كَون إمامين فِي وَقت وَأكْثر فِي وَقت وَاحِد وَاحْتج هَؤُلَاءِ بقول الْأَنْصَار وَمن قَالَ مِنْهُم يَوْم السَّقِيفَة للمهاجرين منا أَمِير ومنكم أَمِير وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَمْر عَليّ وَالْحسن مَعَ مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن قَول الْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم مَا ذكرنَا لم يكن صَوَابا بل كَانَ خطأ إِذْ اداهم إِلَيْهَا الِاجْتِهَاد وَخَالفهُم فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَلَا بُد إِذْ اخْتلف القائلان على قَوْلَيْنِ متنافين من أَن يكون أَحدهمَا حَقًا وَالْآخر خطأ وَإِذ ذَلِك كَذَلِك فَوَاجِب رد مَا تنازعوا فِيهِ إِلَى مَا افْترض الله عز وَجل الرَّد إِلَيْهِ عِنْد التَّنَازُع إِذْ يَقُول الله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك فَوَجَدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ إِذا بُويِعَ لإمامين فَاقْتُلُوا الآخر مِنْهُمَا وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم} فَحرم الله عز وَجل التَّفَرُّق والتنازع وَإِذا كَانَ إمامان فقد حصل التَّفَرُّق الْمحرم فَوجدَ التَّنَازُع وَوَقعت الْمعْصِيَة لله تَعَالَى وَقُلْنَا مَا لَا يحل لنا وَأما من طَرِيق النّظر والمصلحة فَلَو جَازَ أَن يكون فِي الْعَالم إمامان لجَاز أَن يكون فِيهِ ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَأكْثر فَإِن منع من ذَلِك مَانع كَانَ متحكماً بِلَا برهَان ومدعياً بِلَا دَلِيل وَهَذَا الْبَاطِل الَّذِي لَا يعجز عَنهُ أحد وَإِن جَازَ ذَلِك زَاد الْأَمر حَتَّى يكون فِي الْعَالم إِمَام أَو فِي كل مَدِينَة إِمَام أَو فِي كل قَرْيَة إِمَام أَو يكون كل أحد وَخَلِيفَة فِي منزله وَهَذَا هُوَ الْفساد الْمَحْض وهلاك الدّين وَالدُّنْيَا فصح أَن قَول الْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم وهلة وخطار رجعُوا عَنهُ إِلَى الْحق وعصمهم الله تَعَالَى من التَّمَادِي عَلَيْهِ وَأما أَمر عَليّ وَالْحسن وَمُعَاوِيَة فقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمة يَقْتُلهَا أولي الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ فَكَانَ قَاتل تِلْكَ الطَّائِفَة عَليّ رَضِي الله عَنْهُم فَهُوَ صَاحب الْحق بِلَا شكّ وَكَذَلِكَ أنذر عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن عماراً تقتله الفئة الباغية فصح أَن عليا هُوَ صَاحب الْحق وَكَانَ عَليّ السَّابِق إِلَى الْإِمَامَة فصح بعد أَن صَاحبهَا وَأَن من نازعه فِيهَا فمخطئ فمعاوية رَحمَه الله مُخطئ مأجور مرّة لِأَنَّهُ مُجْتَهد وَلَا حجَّة فِي خطأ الْمُخطئ فَبَطل قَول هَذِه الطَّائِفَة وَأَيْضًا فَإِن قَول الْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم منا أَمِير ومنكم أَمِير يخرج على أَنهم إِنَّمَا أَرَادوا أَن يَلِي وَال مِنْهُم فَإِذا مَاتَ ولي من الْمُهَاجِرين آخر وَهَكَذَا أبدالا على أَن يكون إمامان فِي وَقت وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر من كَلَامهم وَأما عَليّ ومعوية رَضِي الله عَنْهُمَا فَمَا سلم قطّ أَحدهمَا للْآخر بل كل وَاحِد مِنْهُمَا يزْعم أَنه المحق وَكَذَلِكَ كَانَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ إِلَى أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute