للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم لكَونه مَعَ أَبِيه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجنَّة فِي دَرَجَة وَاحِدَة قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اسْتحق تِلْكَ الْمنزلَة بِعَمَل كَانَ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِصَاص مُجَرّد وَإِنَّمَا تقع المفاضلة بَين الفاضلين إِذا كَانَ فضلهما وَاحِدًا من وَجه وَاحِد فتفاضلا فِيهِ وَأما إِن كَانَ الْفضل من المفاضلة بَين الفاضلين إِذا كَانَ فضلهما وَاحِدًا من وَجه وَاحِد فتفاضلا فِيهِ وَأما إِن كَانَ الْفضل من وَجْهَيْن اثْنَيْنِ فَلَا سَبِيل إِلَى المفاضلة بَينهمَا لِأَن معنى قَول الْقَائِل أَي هذَيْن أفضل إِنَّمَا هُوَ أَي هذَيْن أَكثر أوصافاً فِي الْبَاب الَّذِي اشْتَركَا فِيهِ أَلا ترى أَنه لَا يُقَال أَيهمَا أفضل رَمَضَان أَو نَاقَة صَالح وَلَا أَيهمَا أفضل الْكَعْبَة أَو الصَّلَاة بل نقُول أَيهمَا أفضل مَكَّة أَو الْمَدِينَة وَأيهمَا أفضل رَمَضَان أَو ذُو الْحجَّة وَأيهمَا أفضل الزَّكَاة أم الصَّلَاة وَأيهمَا أفضل نَاقَة صَالح أَو نَاقَة غَيره من الْأَنْبِيَاء فقد صَحَّ أَن التَّفَاضُل إِنَّمَا يكون فِي وَجه اشْتِرَاك فِيهِ المسؤل عَنْهُمَا فَسبق أَحدهمَا فِيهِ فَاسْتحقَّ أَن يكون أفضل وَفضل إِبْرَاهِيم لَيْسَ على عمل أصلا وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِصَاص مُجَرّد وإكرام لِأَبِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما نساؤه عَلَيْهِ السَّلَام فكونهن وَكَون سَائِر أَصْحَابه عَلَيْهِم السَّلَام فِي الْجنَّة إِنَّمَا هُوَ جَزَاء لَهُنَّ وَلَهُم على أعمالهن وأعمالهم قَالَ الله بعد ذكر الصحا رَضِي الله عَنْهُم {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَقَالَ بعد ذكر الصَّحَابَة {وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما} وَقَالَ تَعَالَى مُخَاطبا لنسائه عَلَيْهِ السَّلَام {وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله وتعمل صَالحا نؤتها أجرهَا مرَّتَيْنِ} وَهَذَا نَص قَوْلنَا وَللَّه الْحَمد وَقَالَ تَعَالَى {وَتلك الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {غرف من فَوْقهَا غرف مَبْنِيَّة} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى} فَإِن قَالَ قَائِل فَكيف تَقولُونَ فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لن يدْخل الْجنَّة أحد بِعَمَلِهِ قيل وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمة مِنْهُ وَفضل قُلْنَا نعم هَذَا حق مُوَافق للآيات الْمَذْكُورَة وَهَكَذَا نقُول أَنه لَو عمل الْإِنْسَان دهره كُله مَا اسْتحق على الله تَعَالَى شَيْئا لِأَنَّهُ لَا يجب على الله تَعَالَى شَيْء إِذْ لَا مُوجب للأشياء الْوَاجِبَة غَيره تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُبْتَدِئ لكل مَا فِي الْعَالم والخالق لَهُ فلولا أَن الله تَعَالَى رحم عباده فَحكم بِأَن طاعتهم لَهُ يعطيهم بهَا الْجنَّة لما وَجب ذَلِك عَلَيْهِ فصح أَنه لَا يدْخل أحد الْجنَّة بِعَمَلِهِ مُجَردا دون رَحْمَة الله تَعَالَى لَكِن يدخلهَا برحمة لله تَعَالَى الَّتِي جعل بهَا الْجنَّة جَزَاء على أَعْمَالهم الَّتِي أطاعوه بهَا مَا اتّفقت الْآيَات مَعَ هَذَا الحَدِيث وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَإِذا لَا شكّ فِي هَذَا كُله فقد امْتنع يَقِينا أَن يجازى بالأفضل من كَانَ أنقص فضلا وَأَن يجارى بالأنقص من كَانَ أتم فضلا وَصَحَّ ضَرُورَة أَنه لَا يجزى أحد من أهل الْأَعْمَال فِي الْجنَّة إِلَّا بِمَ اسْتَحَقَّه برحمة الله تَعَالَى جَزَاء على عمله وَللَّه تَعَالَى أَن يتفضل على من شَاءَ بِمَا شَاءَ وَجَائِز أَن يقدم على ذَوي الْأَعْمَال الرفيعة قَالَ تَعَالَى {يخْتَص برحمته من يَشَاء} وَقَالَ تَعَالَى {ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء} فَلَا يجوز خلاف هَذِه النُّصُوص لأحد لِأَن من خالفها كذب الْقُرْآن وَلَوْلَا هَذِه النُّصُوص لما أبعدنا أَن يعذب الله تَعَالَى على الطَّاعَة لَهُ وَأَن ينعم على مَعْصِيَته وَأَن يجازي الْأَفْضَل بالأنقص والأنقص بالأفضل لِأَن كل شَيْء ملكه وخلقه لَا مَالك لشَيْء سواهُ وَلَا معقب لحكمه وَلَا حق لأحد عَلَيْهِ لَكِن قد أمنا ذَلِك كُله بأخبار الله تَعَالَى أَنه لَا يجازي ذَا عمل إِلَّا بِعَمَلِهِ وَأَنه يتفضل على من يَشَاء فَلَزِمَ الْإِقْرَار بِكُل ذَلِك وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَلَو قَالَ قَائِل إِنَّمَا فضل فِي الْجنَّة وَأَعْلَى قدرا مَكَان إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول

<<  <  ج: ص:  >  >>