للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَن هُنَالك الْملك الْكَبِير وَالطَّاعَة والوجاهة والإتباع والإستثمار وَإِنَّمَا عرض الله تَعَالَى علينا فِي الدُّنْيَا من الْملك طرفا لنعلم بِهِ مِقْدَار الْملك الَّذِي فِي دَار الْجَزَاء كَمَا عرض علينا من اللَّذَّات وَالْحَرِير والديباج وَالْخمر وَالذَّهَب وَالْفِضَّة والمسك والجواري والحلي وَأَعْلَمنَا أَن هَذَا كُله خَالِصَة لنا هُنَالك وكما صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن آخر من يدْخل الْجنَّة يزكو على أعظم ملك عرفه فِي الدُّنْيَا فيتمنى مثل ملكه فيعطيه الله تَعَالَى مثل الدُّنْيَا عشر مَرَّات

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَلَمَّا صَحَّ مَا ذكرنَا وَكَانَت الْمَلَائِكَة طبقَة وَاحِدَة إِلَّا أَنهم يتعاضلون فِيهَا وَكَانَت طبقَة الْمُرْسلين النَّبِيين طبقَة وَاحِدَة لنهما أَيْضا يتفاضلون فِيهَا وكل الصَّحَابَة طبقَة وَاحِدَة إِلَّا أَنهم يتفاضلون فِيهَا فَوَجَبَ بِلَا شكّ أَن لَا يكون اتِّبَاع الرُّسُل من النِّسَاء وَالْأَصْحَاب كالمتبوعين الَّذين هم الرُّسُل لِأَن بِالضَّرُورَةِ نعلم أَن تَابع الْأَعْلَى لَيْسَ لاحقاً نَظِير متبوعه فَكيف أَن يكون أَعلَى مِنْهُ كَمَا أَن التابعيات من نسَاء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لَا يلحقن نظراء أَزوَاجهنَّ من الصَّحَابَة إِذْ لَيْسَ هن مَعَهم فِي طبقَة وَإِنَّمَا ينظر بَين أهل كل طبقَة وَمن هُوَ فِي طبقته وَنسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طبقَة وَاحِدَة مَعَ الصَّحَابَة فصح التَّفَاضُل بَينهم وَلَيْسَ وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَلَا مِنْهُم مَعَ الْأَنْبِيَاء فِي طبقَة فَلم يجز أَن ينظر بَينهم وَقد أخبر عَلَيْهِ السَّلَام أَنه رأى لَيْلَة الْإِسْرَاء الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي السَّمَوَات سَمَاء سَمَاء وبالضرورة نعلم أَن منزلَة النَّبِي الَّذِي هُوَ متبوع فِي سَمَاء الدُّنْيَا أمره هُنَاكَ مُطَاع أَعلَى من منزلَة التَّابِع فِي السَّمَاء السَّابِعَة للنَّبِي الَّذِي هُنَالك وَإِذ قد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن كل نَبِي يَأْتِي مَعَ أمته فَنحْن مَعَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن كل مَا ألزمناه مكي لَازِما لنا فَيلْزمهُ مثل ذَلِك فِينَا أَيْضا أَن نَكُون أفضل من الْأَنْبِيَاء وَهَذَا غير لَازم لما ذكرنَا من أَنه لَا ينظر فِي الْفضل إِلَّا بَين من كَانَ من أهل طبقَة وَاحِدَة فَمن كَانَ مِنْهُم أَعلَى منزلَة من الآخر كَانَ أفضل مِنْهُ بِلَا شكّ وَلَيْسَ ذَلِك فِي الطباق الْمُخْتَلفَة أَلا ترى أَن كَون مَالك خَازِن النَّار فِي مَكَان غير مَكَان خَازِن الْجنَّة وَغير مَكَان جِبْرَائِيل لَا تحط دَرَجَته عَن دَرَجَة من فِي الْجنَّة من النَّاس الَّذين الْمَلَائِكَة جملَة أفضل مِنْهُم لِأَن مَالِكًا متبوع للنار ومقدم مُطَاع مفضل بذلك على التَّابِعين والخدمة فِي الْجنَّة بِلَا شكّ فَبَطل هَذَا الشّعب وَيجمع هَذَا الْجَواب بِاخْتِصَار وَهُوَ أَن الرؤساء والمتبوعين فِي كل طبقَة فِي الْجنَّة أَعلَى من التَّابِعين لَهُم وَنسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه كلهم أَتبَاع لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام وَجَمِيع الْأَنْبِيَاء متبوعون فَإِنَّمَا ينظر بَين المتبوعين أَيهمْ أفضل وَينظر بَين الأتباع أَيهمْ أفضل وَيعلم الْفضل بعلو دَرَجَة كل فَاضل من دونه فِي الْفضل وَلَا يجوز أَن ينظر بَين الأتباع والمتبوعين لِأَن المتبوعين لَا يكونُونَ الْبَتَّةَ أحط دَرَجَة من التَّابِعين وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَإِن قَالَ قَائِل فَكيف يَقُولُونَ فِي الْحور الْعين أهن أفضل من النَّاس وَمن الْأَنْبِيَاء كَمَا قُلْتُمْ فِي الْمَلَائِكَة فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَن الْفضل لَا يعرف إِلَّا ببرهان مسموع من الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن أَو من كَلَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم نجد الله تَعَالَى نَص على فضل الْحور الْعين كَمَا نَص على فضل الْمَلَائِكَة وَإِنَّمَا نَص على أَنَّهُنَّ مطهرات حسان عرب أتراب يجامعن ويشاركن أَزوَاجهنَّ فِي اللَّذَّات كلهَا وأنهن خُلِقْنَ ليلتذ بِهن الْمُؤْمِنُونَ فَإِذا الْأَمر هَكَذَا فَإِنَّمَا مَحل الْحور الْعين مَحل من هن لَهُ فَقَط إِن ذَلِك اخْتِصَاص لَهُنَّ بِلَا عمل وتكليف فهن خلاف الْمَلَائِكَة فِي ذَلِك وَبِاللَّهِ الله تَعَالَى التَّوْفِيق

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَمِمَّا يُؤَكد قَوْلنَا قَول الله تَعَالَى {أَن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون هم وأزواجهم فِي ظلال على الأرائك متكئون} وَهَذَا النَّص إِذْ قد صَحَّ فقد وَجب الْإِقْرَار بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>