للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ قبل أَن ينهاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ غَايَة الرِّضَا لله لِأَنَّهُ كَانَ إشفاقاً على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَلِك كَانَ الله مَعَه وَهُوَ تَعَالَى لَا يكون مَعَ العصاة بل عَلَيْهِم وَمَا حزن أَبُو بكر قطّ بعد أَن نَهَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحزن ولكان ذَلِك على مُحَمَّد ومُوسَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهَؤُلَاء الأرذال حَيَاء أَو علم لم يَأْتُوا بِمثل هَذَا إِذْ لَو كَانَ حزن أبي بكر عَيْبا عَلَيْهِ لَكَانَ عَيْبا لِأَن الله عز وَجل قَالَ لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لَكمَا سُلْطَانا فَلَا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون} ثمَّ قَالَ تَعَالَى عَن السَّحَرَة أَنهم قَالُوا لمُوسَى {إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون أول من ألْقى قَالَ بل ألقوا فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى قُلْنَا لَا تخف أَنَّك أَنْت الْأَعْلَى} فَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكليمه قد كَانَ أخبرهُ الله عز وَجل بِأَن فِرْعَوْن وملأه لَا يصلونَ إِلَيْهِ وَأَن مُوسَى وَمن اتبعهُ هُوَ الْغَالِب ثمَّ أوجس فِي نَفسه خيفة بعد ذَلِك إِذْ رأى أَمر السَّحَرَة حَتَّى أوحى الله عز وَجل إِلَيْهِ لَا تخف فَهَذَا أَمر أَشد من أَمر أبي بكر وَإِذا لزم مَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْفُسَّاق أَبَا بكر وحاشا لله أَن يلْزمه من أَن حزنه لَو كَانَ لما نَهَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزم أَشد مِنْهُ لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن إيجاسه الخيفة فِي نَفسه لَو كَانَ رضَا لله تَعَالَى مَا نَهَاهُ الله تَعَالَى عَنهُ ومعاذ الله من هَذَا بل إيجاس مُوسَى الخيفة فِي نَفسه لم يكن إِلَّا نِسْيَان الْوَعْد الْمُتَقَدّم وحزن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ رضَا لله تَعَالَى قبل أَن ينْهَى عَنهُ وَلم يكن تقدم إِلَيْهِ نهي عَن الْحزن وَأما مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله عز وَجل قَالَ {وَمن كفر فَلَا يحزنك كفره} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيق} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا يحزنك قَوْلهم أَن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} وَقَالَ تَعَالَى {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات} وَقَالَ تَعَالَى {فلعلك باخع نَفسك على آثَارهم إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث أسفا} ووجدناه عز وَجل قد قَالَ {قد نعلم أَنه ليحزنك الَّذِي يَقُولُونَ} وَقَالَ أَيْضا فِي الْأَنْعَام فَهَذَا الله تَعَالَى أخبرنَا أَنه يعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحزنهُ الَّذِي يَقُولُونَ وَنَهَاهُ الله عز وَجل عَن ذَلِك نصا فيلزمهم فِي حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي نَهَاهُ الله تَعَالَى عَنهُ كَالَّذي أَرَادَ فِي حزن أبي بكر سَوَاء بِسَوَاء وَنعم إِن حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا كَانُوا يَقُولَن من الْكفْر كَانَ طَاعَة لله تَعَالَى قبل أَن ينهاه الله عز وَجل وَمَا حزن عَلَيْهِ السَّلَام بعد أَن نَهَاهُ ربه تَعَالَى عَن الْحزن كَمَا كَانَ حزن أبي بكر طَاعَة لله عز وَجل قبل أَن ينهاه الله عز وَجل عَن الْحزن وَمَا حزن أَبُو بكر قطّ بعد أَن نَهَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْحزن فَكيف وَقد يُمكن أَن يكون أَبُو بكر لم يحزن يَوْمئِذٍ لَكِن نَهَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام عَن أَن يكون مِنْهُ حزن كَمَا قَالَ تَعَالَى لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفوراً} فَنَهَاهُ عَن أَن يطيعهم وَلم تكن مِنْهُ طَاعَة لَهُم وَهَذَا إِنَّمَا يعْتَرض بِهِ أهل الْجَهْل والسخافة ونعوذ بِاللَّه من الضلال

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَاعْترض علينا بعض الْجُهَّال ببعثة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب خلف أبي بكر رَضِي الله عَنهُ عَنْهُمَا فِي الْحجَّة الَّتِي حَجهَا أَبُو بكر وَأخذ برآءة من أبي بكر وَتَوَلَّى عَليّ تبليغها إِلَى أهل الْمَوْسِم وقرائتها عَلَيْهِم

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا من أعظم فَضَائِل أبي بكر لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرا على عَليّ بن أبي طَالب وَغَيره من أهل الْمَوْسِم لَا يدْفَعُونَ إِلَّا بِدَفْعِهِ وَلَا يقفون إِلَّا بوقوفه وَلَا يصلونَ إِلَّا بِصَلَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>