للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علمنَا أَن التَّسْبِيح الَّذِي ذكره الله تَعَالَى هُوَ حق وَهُوَ معنى غير تسبيحنا نَحن بِلَا شكّ فَإذْ لَا شكّ فِي هَذَا فَإِن التَّسْبِيح فِي أصل اللُّغَة وَهُوَ تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن السوء فَإذْ قد صَحَّ هَذَا فَإِن كل شَيْء فِي الْعَالم بِلَا شكّ منزه لله تَعَالَى عَن السوء الَّذِي هُوَ صفة الْحُدُوث وَلَيْسَ فِي العاعلم شَيْء إِلَّا وَهُوَ دَال بِمَا فِيهِ من دَلَائِل الصَّنْعَة واقتضائه صانعاً لَا يشبه شَيْئا مِمَّا خلق على أَن الله تَعَالَى منزه عَن كل سوء وَنقص وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يفهمهُ وَلَا يفقهه كثير من النَّاس كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم} فَهَذَا هُوَ تَسْبِيح كل شَيْء بِحَمْد الله تَعَالَى بِلَا شكّ وَهَذَا الْمَعْنى حق لَا يُنكره موحد فَإِن كَانَ قَوْلنَا هَذَا مُتَّفقا على صِحَّته وَكَانَت الضَّرُورَة توجب أَنه لَيْسَ هُوَ التَّسْبِيح الْمَعْهُود عندنَا ففقد ثَبت قَوْلنَا وانتفى قَول من خَالَفنَا بَطْنه الْكَاذِب وَأَيْضًا فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم} وَالْكَافِر الدهري شَيْء لَا يشك فِي أَنه شَيْء وَهُوَ لَا يسبح بِحَمْد الله تَعَالَى أَلْبَتَّة فصح ضَرُورَة أَن الْكَافِر يسبح إِذْ هُوَ من جملَة الْأَشْيَاء الَّتِي تسبح بِحَمْد الله تَعَالَى وَأَن تسبيحه لَيْسَ هُوَ قَوْله سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ بِلَا شكّ وَلكنه تَنْزِيه الله تَعَالَى بدلائل خلقه وتركيبه عَن أَن يكون الْخَالِق مشبهاً لشَيْء مِمَّا خلق وَهَذَا يَقِين لَا شكّ فِيهِ فصح بِمَا ذكرنَا أَن لَفْظَة التَّسْبِيح هِيَ من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة وَهِي الَّتِي تقع على نَوْعَيْنِ فَصَاعِدا وَأما السُّجُود الَّذِي ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَوْله {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} فقد علمنَا أَن السُّجُود المعهد عندنَا فِي الشَّرِيعَة واللغة هُوَ وضع الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين وَالرّجلَيْنِ وَالْأنف فِي الأَرْض بنية التَّقَرُّب بذلك إِلَى الله تَعَالَى وَهَذَا مَا لَا يشك فِيهِ مُسلم وَكَذَلِكَ نعلم ضَرُورَة لَا شكّ فِيهَا أَن الْحمير والهوام والخشب والحشيش وَالْكفَّار لَا تفعل ذَلِك لَا سِيمَا من لَيْسَ لَهُ هَذِه الْأَعْضَاء وَقد نَص تَعَالَى على صِحَة مَا قُلْنَا وَأخْبر تَعَالَى أَن فِي النَّاس من لَا يسْجد لَهُ السُّجُود الْمَعْهُود عندنَا بقوله تَعَالَى {واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ فَإِن استكبروا فَالَّذِينَ عِنْد رَبك يسبحون لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وهم لَا يسأمون} فَأخْبر تَعَالَى أَن فِي النَّاس من يستكبر عَن السُّجُود لَهُ فَلَا يسْجد وَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} فَبين تَعَالَى أَن السُّجُود كرها غير السُّجُود بالطوع الَّذِي هُوَ السُّجُود الْمَعْهُود عندنَا وَإِذ قد أخبر الله تَعَالَى بِهَذَا وَصَحَّ أَيْضا بالعيان فقد علمنَا بِالضَّرُورَةِ أَن السُّجُود الَّذِي أخبر الله تَعَالَى أَنه يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض هُوَ غير السُّجُود الَّذِي يَفْعَله الْمُؤْمِنُونَ طَوْعًا ويستكبر عَنهُ بعض النَّاس وَيمْتَنع مِنْهُ أَكثر الْخلق هَذَا مِمَّا لَا يشك فِيهِ مُسلم فَإذْ هَذَا كَذَلِك بِلَا شكّ فَوَاجِب علينا أَن نطلب معنى هَذَا السُّجُود مَا هُوَ فَفَعَلْنَا فوجدناه مُبينًا بِلَا إِشْكَال فِي آيَتَيْنِ من كتاب الله وهما قَوْله تَعَالَى {وظلالهم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} وَقَوله تَعَالَى {أَو لم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل سجدا لله وهم داخرون} فَبين تَعَالَى فِي هَاتين الآيتيين بَيَانا لَا إِشْكَال فِيهِ أَن ميل الْفَيْء والظل بالغدوات والعشيات من كل ذِي ظلّ هُوَ معنى السُّجُود الْمَذْكُور فِي الْآيَة لَا السُّجُود الْمَعْهُود عندنَا وَصَحَّ بِهَذَا أَن لَفْظَة السُّجُود هِيَ من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة الَّتِي تقع على نَوْعَيْنِ فَأكْثر وَأما قَوْله

<<  <  ج: ص:  >  >>