للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمَخْلُوقَات كلهَا خلقا لَهُ وَهَذَا برهَان لَا يُعَارض

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ نسْأَل من قَالَ أَن خلق الشَّيْء هُوَ غير الشَّيْء فَتَقول لَهُ أخبرنَا عَن خلق الله تَعَالَى لما خلق أم مَخْلُوق هُوَ أَيْضا أَن غير مَخْلُوق فَلَا بُد من أحد الْأَمريْنِ فَإِن قَالُوا هُوَ غير مَخْلُوق أوجبوا بِإِزَاءِ كل مَخْلُوق شَيْئا مَوْجُودا غير مَخْلُوق وَهَذَا مضاهاة لقَوْل الدهرية والبرهان قد قَامَ بِخِلَاف هَذَا وَقَالَ تَعَالَى {وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا} وَإِن قَالُوا بل خلقه تَعَالَى لما خلق مَخْلُوق قُلْنَا فخلقه تَعَالَى لذَلِك الْخلق أبخلق أم بِغَيْر خلق فَإِن قَالُوا بِغَيْر خلق قيل لَهُم من أَيْن قُلْتُمْ أَن خلقه للأشياء بمخلق هُوَ غير الْمَخْلُوق وقلتم فِي خلقه لذَلِك الْخلق أَنه بِغَيْر خلق وَهَذَا تَخْلِيط وَإِن قَالُوا بل خلقه بِخلق سألناهم الْخلق هُوَ أم بِخلق هُوَ غَيره وَهَكَذَا أبدا فَإِن وقفُوا فِي شَيْء من ذَلِك فَقَالُوا خلقه هُوَ هُوَ سألناهم عَن الْفرق بَين مَا قَالُوا أَن خلقه هُوَ غَيره وَبَين مَا قَالُوا أَن خلقه هُوَ هُوَ وَإِن تماد وأخرجوا إِلَى وجود أَشْيَاء لَا نِهَايَة لَهَا وَهَذَا محَال مقنع مُتَّصِلا وَقد قطع بِهَذَا معمر بن عَمْرو الْعَطَّار أحد رُؤَسَاء الْمُعْتَزلَة وَسَنذكر كَلَامه بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى مُتَّصِلا بِهَذَا الْبَاب وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد وَأَيْضًا فَإِن الْجَمِيع مطبقون على أَن الله عز وَجل خلق مَا خلق بِلَا معاياة فَإذْ لَا شكّ فِي ذَلِك فقد صَحَّ يَقِينا أَنه لَا وَاسِطَة بَين الله تَعَالَى وَبَين مَا خلق وَلَا ثَالِث فِي الْوُجُود غير الْخَالِق والمخلوق وَخلق الله تَعَالَى مَا خلق حق مَوْجُود وَهُوَ بِلَا شكّ مَخْلُوق وَهُوَ بِلَا شكّ لَيْسَ هُوَ الْخَالِق فَهُوَ الْمَخْلُوق نَفسه بِيَقِين لَا شكّ فِيهِ إِذْ لَا ثَالِث هَا هُنَا أصلا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل من دون الله تَعَالَى فعله هُوَ مَفْعُوله نَفسه لَا غير لِأَنَّهُ لَا يفعل أحد دون الله تَعَالَى إِلَّا حَرَكَة أَو سكوناً أَو تَأْثِيرا أَو معرفَة أَو فكرة أَو إِرَادَة وَلَا مفعول لشَيْء دون الله تَعَالَى إِلَّا مَا ذكرنَا فَهِيَ مفعولات الفاعلين وَهِي أَفعَال الفاعلين وَلَا فرق وَمَا عدا هَذَا فَإِنَّمَا هُوَ مفعول فِيهِ كالمضروب والمقتول أَو مفعول بِهِ كالسوط والإبرة وَمَا أشبه ذَلِك أَو مفعول لَهُ كالمطاع والمخدوم أَو مفعول من أَجله كالمكسوب والمحلوب فَهَذِهِ أوجه المفعولات

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما سَائِر أَفعَال الله تَعَالَى فبخلاف مَا قُلْنَا فِي الْخلق بل هِيَ غير الْمَفْعُول فِيهِ أَو لَهُ أَو بِهِ أَو من أَجله وَذَلِكَ كالأحياء فَهُوَ غير الْمحيا بِلَا شكّ وَكِلَاهُمَا مَخْلُوق لله تَعَالَى وخلقه تَعَالَى لكل ذَلِك هُوَ الْمَخْلُوق نَفسه كَمَا قُلْنَا وكالإماته فَهِيَ غير الْمَمَات وَلَو كَانَ غير هَذَا وَكَانَ الْأَحْيَاء هُوَ الْمحيا والإماتة هِيَ الْمَمَات وبيقين نَدْرِي أَن الْمحيا هُوَ الْمَمَات نَفسه لوَجَبَ أَن يكون الْأَحْيَاء هُوَ الإماتة وَهَذَا محَال وكالا بَقَاء فَهُوَ غير المبقي للبرهان الَّذِي ذكرنَا وبيقين نَدْرِي أَن الشَّيْء غير أعراضه الَّتِي هِيَ قَائِمَة بِهِ وقتا وفانية عَنهُ تَارَة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

الْكَلَام فِي الْبَقَاء والفناء والمعاني الَّتِي يدعيها معمر

وَالْأَحْوَال الَّتِي تدعيها الأشعرية وَهل الْمَعْدُوم شَيْء أم لَيْسَ شَيْئا وَمَسْأَلَة الْأَجْزَاء وَهل بتجدد خلق الله للأشياء أم لَا يَتَجَدَّد

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذهب قوم إِلَى أَن الْبَقَاء والفناء صفتان للْبَاقِي والفاني لَا هما الْبَاقِي وَلَا الفاني وَلَا هما غير الْبَاقِي والفاني

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا قَول فِي غَايَة الْفساد لِأَن الْقَضِيَّة الثَّانِيَة بنقيض الأولى وَالْأولَى بنقيض الثَّانِيَة لِأَنَّهُ إِذا قَالَ لَيست هِيَ فقد أوجب أَنَّهَا غَيره وَإِذا قَالَ لَيست غَيره فقد أوجب أَنه هُوَ وَهَذَا تنَاقض ظَاهر وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا فرق بَين قَول الْقَائِلين لَيْسَ هُوَ هُوَ وَلَا ين قَوْله هُوَ هُوَ وَهُوَ غَيره وَالْمعْنَى فِي تِلْكَ القضيتين سَوَاء وَأَيْضًا فَلَو كَانَ الْبَقَاء لَيْسَ هُوَ الْبَاقِي وَلَا هُوَ غَيره والفناء لَيْسَ هُوَ الفاني وَلَا هُوَ غَيره فالباقي هُوَ الفاني نَفسه وَالْبَاقِي لَيْسَ هُوَ الْبَاقِي وَلَا غَيره وَهَذَا مزِيد من الْجُنُون وَمن التَّنَاقُض وَذهب معمر إِلَى أَن الفناء صفة قَائِمَة بِغَيْر الفاني

<<  <  ج: ص:  >  >>