وَأما الْقَضَاء فالقطع بِهِ خطأ لما نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأهل الْقَضَاء ينقسمون قسمَيْنِ أَحدهمَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا والفلك عَاقِلَة مُمَيزَة فاعلة مُدبرَة دون الله تَعَالَى أَو مَعَه وَأَنَّهَا لم تزل فَهَذِهِ الطَّائِفَة كفار مشركون حَلَال دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ بِإِجْمَاع الْأمة وَهَؤُلَاء عَنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ يَقُول أَن الله تَعَالَى قَالَ أصبح من عبَادي كَافِر بِي مُؤمن بالكواكب وَفَسرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه الْقَائِل فطرنا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا وَأما من قَالَ بِأَنَّهَا فِي المدن الَّتِي يُمكنهُم فِيهَا دَعْوَى أَن بناءها كَانَ فِي طالع كَذَا وَنَصه كَذَا لَكِن فِي الأقاليم وَالْقطع من الأَرْض الَّتِي لم يتَقَدَّم كَون بَعْضهَا كَون بعض كذبهمْ فِيمَا عَلَيْهِ بنوا قضاياهم فِي النُّجُوم وَكَذَلِكَ قسمتهم أَعْضَاء الْجِسْم والفلزات على الدراري أَيْضا وبرهان سادس أننا نجد نوعا وأنواعاً من أَنْوَاع الْحَيَوَان قد فَشَا فِيهَا الذّبْح فَلَا تكَاد يَمُوت شَيْء مِنْهَا إِلَّا مذبوحاً كالدجاج وَالْحمام والضان والمعز وَالْبَقر الَّتِي لَا يَمُوت مِنْهَا حتف أَنفه إِلَّا فِي غَايَة الشذوذ ونوعاً وأنواعاً لَا تكَاد تَمُوت إِلَّا حتف أنوفها كالحمير وَالْبِغَال وَكثير من السبَاع وبالضرورة يدْرِي كل أحد أَنَّهَا قد تستوي أَوْقَات وِلَادَتهَا فَبَطل قضاؤهم بِمَا يُوجب الْمَوْت الطبيعي وَبِمَا يُوجد الكرهى لِاسْتِوَاء جَمِيعهَا فِي الولادات واختلافها فِي أَنْوَاع المنايا وبرهان سَابِع وَهُوَ أننا نرى الخصافا شَيْئا فِي سكان الاقليم الأول وسكان الاقليم السَّابِع وَلَا سَبِيل إِلَى وجوده الْبَتَّةَ فِي سكان سَائِر الأقاليم وَلَا شكّ وَلَا مرية فِي استوائهم فِي أَوْقَات الْولادَة فَبَطل يَقِينا قضاؤهم بِمَا يُوجب الخصا وَبِمَا لَا يُوجِبهُ بِمَا ذكرنَا من تساويهم فِي أَوْقَات التكون والولادة وَاخْتِلَافهمْ فِي الحكم وَيَكْفِي من هَذَا أَن كَلَامهم فِي ذَلِك دَعْوَى بِلَا برهَان وَأما كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِل مَعَ اخْتلَافهمْ فِيمَا يُوجِبهُ الحكم عِنْدهم وَالْحق لَا يكون فِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلفين وَأَيْضًا فَإِن الْمُشَاهدَة توجب أننا قادرون على مُخَالفَة أحكامهم مَتى أخبرونا بهَا فَلَو كَانَت حَقًا وحتما مَا قدر أحد على خلَافهَا وَإِذا أمكن خلَافهَا فَلَيْسَتْ حَقًا فصح أَنَّهَا تحرص كالطرق بالحصا والصرب بالحب وَالنَّظَر فِي الْكَتف والزجر والطيرة وَسَائِر مَا يَدعِي أَهله فِيهِ تَقْدِيم الْمعرفَة بِلَا شكّ وَمَا يخص مَا شَاهَدْنَاهُ وَمَا صَحَّ عندنَا مِمَّا حَقَّقَهُ حذاقهم من التَّعْدِيل فِي الموالد والمناجات وتحاول السنين ثمَّ فضوا فِيهِ فاخطؤا وَمَا نفع أَصَابَتْهُم من خطئهم إِلَّا فِي جُزْء يسير فصح أَنه يحرص لَا حَقِيقَة فِيهِ لَا سِيمَا دَعوَاهُم فِي إِخْرَاج الضَّمِير فَهُوَ كُله كذب لمن تَأمله وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَكَذَلِكَ قَوْلهم فِي القرانات أَيْضا وَلَو أمكن تَحْقِيق تِلْكَ التجارب فِي كل مَا ذكرنَا لصدقناها وَمَا يبدوا مِنْهَا وَلم يكن ذَلِك علم غيب لِأَن كل مَا قَامَ عَلَيْهِ دَلِيل من خطّ أَو كنف أَو زجرا وَتَطير فَلَيْسَ غيباً لَو صَحَّ وَجه كل ذَلِك وَإِنَّمَا الْغَيْب وَعلمه هُوَ أَن يخبر الْمَرْء من الكائنات دون صناعَة أصلا من شَيْء مِمَّا ذكرنَا وَلَا من غَيره فَيُصِيب الجزئي والكلي وَهَذَا لَا يكون إِلَّا لنَبِيّ وَهُوَ معْجزَة حينئذٍ وَأما الكهانة فقد بطلت بمجيء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ هَذَا من أَعْلَامه وآياته وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي خلق الله تَعَالَى للشَّيْء أهوَ الْمَخْلُوق نَفسه أم غَيره وَهل فعل الله من دون الله تَعَالَى هُوَ الْمَفْعُول أم غَيره
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذهب قوم إِلَى أَن خلق الشَّيْء الْمَخْلُوق وَاحْتج هَؤُلَاءِ بقول الله عز وَجل {مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خلق أنفسهم}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَا حجَّة لَهُم فِي هَذِه الْآيَة لِأَن الْإِشْهَاد هَا هُنَا هُوَ الْإِحْضَار بالمعرفة وَهَذَا حق لِأَن الله تَعَالَى لم يحضرنا عارفين ابْتِدَاء خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَابْتِدَاء أَنْفُسنَا وَوجدنَا من قَالَ أَن خلق الشَّيْء هُوَ الشَّيْء نَفسه بقول الله تَعَالَى هَذَا خلق الله وَهَذِه إِشَارَة إِلَى جَمِيع الْمَخْلُوقَات فقد سمي الله تَعَالَى جَمِيع