للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله تَعَالَى {أَن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فصح أَن الدّين مَحْفُوظ لما ضمن الله عز وَجل حفظه فَنحْن على يَقِين أَنه لَا يجوز أَن يكون فِيهِ شكّ وَقد أَمر الله تَعَالَى بِقبُول خبر الْوَاحِد الْعدْل وَمن الْمحَال أَن يَأْمر الله عز وَجل بِأَن نقُول عَلَيْهِ مَا لم يقل وَهُوَ قد حرم ذَلِك أَو أَن نقُول عَلَيْهِ مَالا نعلم أَنه تَعَالَى قد حرم ذَلِك بقوله {وَإِن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ} فَكل مَا أمرنَا الله عز وَجل بالْقَوْل بِهِ فَنحْن على يَقِين من أَنه من الدّين وَأَن الله تَعَالَى قد حماه من كل دخل وَكَذَلِكَ أَخذنَا بالزايد من الِاثْنَيْنِ المتعارضين وَمن الْخَبَرَيْنِ المتعارضين وَقد علمنَا صِحَة أَن الْحق فِي فعلنَا ذَلِك علم ضَرُورَة مُتَيَقن وَلَا أعجب مِمَّن يَقُول أَن خبر الْوَاحِد لَا يُوجب الْعلم وَإِنَّمَا هُوَ غَالب ظن ثمَّ نقطع بِهِ ونقول أَنه قد دخلت فِي الدّين دواخل لَا تميز من الْحق وَأَنه لَا سَبِيل إِلَى تَمْيِيز مَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ فِي الدّين مِمَّا شَرعه الكذابون هَذَا أَمر نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَمن الرضاء بِهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما مَا اجْتمعت عَلَيْهِ الْجَمَاعَات الْعَظِيمَة من أرائهم مِمَّا لم يَأْتِ بِهِ نَص عَن الله عز وَجل وَلَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ بَاطِل عِنْد الله بِيَقِين لِأَنَّهُ شرع فِي الدّين مَا لم يَأْذَن الله عز وَجل وَقَالَ على الله تَعَالَى مَا لم يقلهُ وبرهان ذَلِك أَنه قد يُعَارض ذَلِك قَول آخر قالته جماعات مثل هَذِه وَالْحق لَا يتعارض والبرهان لَا يناقضه برهَان آخر وَقد تقصينا هَذَا فِي كتَابنَا المرسوم بِكِتَاب الْأَحْكَام فِي أصُول الْأَحْكَام فأغني عَن ترداده وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَكل من كَانَ من أهل الْملَل الْمُخَالفَة فبلغته معجزات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَت عَلَيْهِ الْبَرَاهِين فِي التَّوْحِيد فَهُوَ مُضْطَر إِلَى الْإِقْرَار بِاللَّه تَعَالَى وبنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ كل من قَامَ على شَيْء مَا أَي شَيْء كَانَ عِنْده برهَان ضَرُورِيّ صَحِيح وفهمه فَهُوَ مُضْطَر إِلَى التَّصْدِيق بِهِ سَوَاء كَانَت من الْملَل أَو من النَّحْل أَو من غير ذَلِك وَإِنَّمَا أنكر الْحق فِي ذَلِك أحد ثَلَاثَة إِمَّا غافل معرض عَمَّا صَحَّ عِنْده من ذَلِك مشتغل عَنهُ بِطَلَب معاشه أَو بالتزايد من مَال أَو جاه أَو صَوت أَو لَذَّة أَو عمل يَظُنّهُ صلاحاً أَو إيثارا للمشغل بِمَا يتَبَيَّن لَهُ من ذَلِك عَجزا وَضعف عقل وَقلة تَمْيِيز لفضل الْإِقْرَار بِالْحَقِّ أَو مسوف نَفسه بِالنّظرِ كَحال كل طبقَة من الطَّبَقَات الَّذين نشاهدهم فِي كل مَكَان وكل زمَان وَأما مقلد لأسلافه أَو لمن نَشأ بَينهم قد شغله حسن الظَّن بِمن قلد أَو استحسانه لما قلد فِيهِ وغمر الْهوى عقله عَن التفكير فِيمَا فهم من الْبُرْهَان قد حَال مَا ذكرنَا بَينه وَبَين الرُّجُوع إِلَى الْحق وَصرف الْهوى نَاظر قلبه عَن التفكر فِيمَا يتَبَيَّن لَهُ من الْبُرْهَان وَنَفر عَنهُ وأوحشه مِنْهُ فَهُوَ إِذا سمع برهاناً ظَاهرا لَا مدفع فِيهِ عِنْده ظَنّه من الشَّيْطَان وغالب نَفسه حَتَّى يعرض عَنهُ وَقَالَت لَهُ نَفسه لَا بُد إِن هَا هُنَا برهاناً يبطل بِهِ هَذَا الْبُرْهَان الَّذِي أسمع وَإِن كنت أَنا لَا أدريه وَهل خَفِي هَذَا على جَمِيع أهل ملتي وَأهل نحلتي أَو مذهبي أَو على فلَان وَفُلَان وَفُلَان وَلَا بُد إِنَّه قد كَانَ عِنْدهم مَا يبطلون بِهِ هَذَا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا عَام فِي أَكثر من يظنّ أَنه عَالم فِي كل مِلَّة وكل نحلة وكل مَذْهَب وَلَيْسَ وَاحِد من هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ إِلَّا وَالْحجّة قد لَزِمته وبهرته وَلكنه غلب وساوس نَفسه وحماقتها على الْحَقَائِق اللائحة لَهُ وَنصر ظَنّه الْفَاسِد على يَقِين الثَّابِت وتلاعب الشَّيْطَان بِهِ وسخر مِنْهُ فأوهمه لشهوته لما هُوَ فِيهِ أَن هَا هُنَا دَلِيلا يبطل بِهِ هَذَا الْبُرْهَان وَأَنه لَو كَانَ فلَان حَيا أَو حَاضرا لأبطل هَذَا الْبُرْهَان وَهَذَا أعظم مَا يكون من السخافة لما لَا يدْرِي وَلَا سمع

<<  <  ج: ص:  >  >>