للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِهِ وَتَكْذيب لما صَحَّ عِنْده وَظهر إِلَيْهِ ونعوذ بِاللَّه من الخذلان وَالثَّالِث مُنكر بِلِسَانِهِ مَا قد تَيَقّن صِحَّته بِقَلْبِه إِمَّا اسْتِدَامَة لرياسة أَو استدرار مكسب أَو طعما فِي أَحدهمَا لَعَلَّه يتم لَهُ أَو لَا يتم وَلَو تمّ لَهُ لَكَانَ خاسر الصَّفْقَة فِي ذَلِك أَو أثر غرُورًا ذَاهِبًا عَن قريب على فوز الْأَبَد أَو يفعل ذَلِك خوف أَذَى أَو عصبَة لمن خَالف مَا قد قَامَ الْبُرْهَان عِنْده أَو عَدَاوَة لقَائِل ذَلِك القَوْل الَّذِي قَامَ بِهِ عِنْده الْبُرْهَان وَهَذَا كُله مَوْجُود فِي جُمْهُور النَّاس من أهل كل مِلَّة وكل نحلة وَأهل كل رأى بل هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِم وَهَذَا أَمر يجدونه من أنفسهم فهم يغالبونها

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال لمن قَالَ مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام أَن المعارف لَيست باضطرار وَإِن الْكفَّار لَيْسُوا مضطرين إِلَى معرفَة الْحق فِي الربوبية والنبوة أخبرونا عَن معجزات الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام هَل رفعت الشَّك جملَة عَن كل من شَاهدهَا وحسمت عللها وفصلت بَين الْحق وَالْبَاطِل فصلا تَاما أَو لَا فَإِن قَالُوا نعم أقرُّوا بِأَن كل من شَاهدهَا مُضْطَر إِلَى الْمعرفَة بِأَنَّهَا من عِنْد الله تَعَالَى حق شَاهد بِصدق من أَتَى بهَا وَرَجَعُوا إِلَى الْحق الَّذِي هُوَ قَوْلنَا وَللَّه الْحَمد وَأَن قَالُوا لَا بل الشَّك بَاقٍ فِيهَا وَيُمكن أَن تكون غير شاهدة بِأَنَّهُم محقون قطع بِأَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لم يَأْتُوا ببرهان وَإِن الشَّك بَاقٍ فِي أَمرهم وَأَن حجَّة الله تَعَالَى لم تقع على الْكفَّار وَلَا لَزِمَهُم قطّ لَهُ تَعَالَى حجَّة وَأَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام إِنَّمَا أَتَوا بِشَيْء رُبمَا قَامَ فِي الظَّن أَنه حق وَرُبمَا لم يقم وَهَذَا كف مُجَرّد من دَان بِهِ أَو قَالَه وَهَكَذَا نسألهم فِي الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة على آيَات التَّوْحِيد وَفِي الكواف الناقلة أَعْلَام الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام حَتَّى يقرُّوا بِالْحَقِّ بِأَن حجج الله تَعَالَى بِكُل مَا ظَهرت وبهرت واضطرت الْكفَّار كلهم إِلَى تصديقها والمعرفة بِأَنَّهَا حق أَو يَقُولُوا أَنه لم تقم لله حجَّة على أحد وَلَا تبين قطّ لأحد تعين صِحَة نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا نَحن فِي الْإِقْرَار بذلك على ظن إِلَّا أَنه من الظنون قوي وَقد يُمكن أَن يكون بِخِلَاف ذَلِك وَمن قَالَ بِهَذَا فَهُوَ كفر مُجَرّد مَحْض شرك لَا خَفَاء بِهِ ونعوذ بِاللَّه من الخذلان

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمن أنكر أَن يكون الْكفَّار وكل مُبْطل مضطرين إِلَى تَصْدِيق كل مَا قَامَ بِهِ برهَان بعد بُلُوغه إِلَيْهِم وَقَالَ أَن مَا اضْطر الْمَرْء إِلَى مَعْرفَته فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى إِنْكَاره أريناه كذب قَوْله فِي تكوين الأَرْض والأفلاك ومدار الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وتناهي مَسَافَة كل ذَلِك وَأكْثر النَّاس على إِنْكَار هَذَا وَدفعه الْحق فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ من دَان بِالْقِيَاسِ والرأي أَو دَلِيل الْخطاب وَسمع الْبَرَاهِين فِي إِبْطَالهَا فَهُوَ مُضْطَر إِلَى معرفَة بطلَان مَا هُوَ عَلَيْهِ مكابر لعقله فِي ذَلِك مغالط لنَفسِهِ مغالب ليقينه مغلب لظنونه

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَعلم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام وَعلم النَّبِيين عَلَيْهِم السَّلَام بِصِحَّة مَا جَاءَتْهُم بِهِ الْمَلَائِكَة وأوحي إِلَيْهِم بِهِ وأروه فِي منامهم علم ضَرُورِيّ كساير مَا أدركوه بحواسهم وأوايل عُقُولهمْ وكعلمهم بِأَن أَرْبَعَة أَكثر من اثْنَيْنِ وَأَن النَّار حارة والبقل أَخْضَر وَصَوت الرَّعْد وحلاوة الْعَسَل ونتن الحلتيت وخشونة الْقُنْفُذ وَغير ذَلِك لَو لم يكن الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ عِنْد الْمَلَائِكَة والنبيين شكا فِي أَمرهم وَهَذَا كفر مِمَّن أجَازه إِلَّا أَن الْمَلَائِكَة لَا علم لَهُم بِشَيْء إِلَّا هَكَذَا وَلَا ظن لَهُم أصلا لأَنهم لَا يخطئون وَلَا ركبُوا من طبايع متخالفة كَمَا ركب الْإِنْسَان فَإِن قَالَ قَائِل فَإِذا الْعلم كُله باضطرار والاضطرار فعل الله تَعَالَى فِي النُّفُوس فَكيف يُؤجر الْإِنْسَان أَو يعذب على فعل الله تَعَالَى فِيهِ قُلْنَا نعم لَا شَيْء فِي الْعَالم إِلَّا خلق الله تَعَالَى وَقد صَحَّ الْبُرْهَان بذلك على مَا أوردنا فِي كلامنا فِي خلق الْأَفْعَال فِي ديواننا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَمَا نقل حَافظ نصا وَلَا برهَان عقل بِالْمَنْعِ من أَن يعذبنا الله تَعَالَى ويؤجرنا على مَا خلق فِينَا وَالله تَعَالَى يفعل مَا يَشَاء لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون

<<  <  ج: ص:  >  >>