للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لمن قَالَ من هَؤُلَاءِ أَن هَهُنَا قولا صَحِيحا وَاحِدًا لَا شكّ فِيهِ أخبرنَا من أَيْن عرفت ذَلِك وَلَعَلَّ الْأَمر كَمَا يَقُول من قَالَ أَن جَمِيع الْأَقْوَال كلهَا حق فَإِن قَالَ لَا لِأَنَّهَا لَو كَانَت حَقًا لَكَانَ محالاً مُمْتَنعا لِأَن فِيهَا إِثْبَات الشَّيْء وإبطاله مَعًا وَلَو كَانَ جَمِيعهَا بَاطِلا لَكَانَ كَذَلِك أَيْضا سَوَاء سَوَاء وَهُوَ محَال مُمْتَنع لِأَن فِيهِ أَيْضا إِثْبَات الشَّيْء وإبطاله مَعًا وَإِذا ثَبت إِثْبَات الشَّيْء بَطل إِبْطَاله بِلَا شكّ وَإِذا بَطل إثْبَاته ثَبت إِبْطَاله بِلَا شكّ فَإذْ قد بَطل هَذَانِ الْقَوْلَانِ بِيَقِين لم يبْق بِلَا شكّ إِلَّا أَن فِيهِ حَقًا بِعَيْنِه وباطلاً بِعَيْنِه قُلْنَا لَهُ صدقت وَإِذ الْأَمر كَمَا قلت فَإِن هَذَا الْعقل الَّذِي عرفت بِهِ فِي تِلْكَ الْأَقْوَال قولا صَحِيحا بِلَا شكّ بِهِ تميز ذَلِك القَوْل الصَّحِيح بِعَيْنِه مِمَّا لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الصَّحِيح من الْأَقْوَال يشْهد لَهُ الْعقل والحواس ببراهين ترده إِلَى الْعقل وَإِلَى الْحَواس ردا صَحِيحا وَأما الْبَاطِل فَيَنْقَطِع وَيقف قبل أَن يبلغ إِلَى الْعقل وَإِلَى الْحَواس وَهَذَا بَين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

وَأما من أبطل أَن يكون فِي الْأَقْوَال كلهَا قَول صَحِيح فقد أخبرنَا أَنه مُبْطل للحقائق كلهَا متناقض لِأَنَّهُ يبطل الْحق وَالْبَاطِل مَعًا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أما قَوْلهم لَو كَانَ هَهُنَا قَول صَحِيح لما أشكل على أحد وَلَا اخْتلف فِيهِ كَمَا لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا أدركوه بحواسهم وَلَا فِي الْحساب فَإِن هَذَا قَول فَاسد لِأَن أشكال الشَّيْء على من أشكل عَلَيْهِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه جهل حَقِيقَة ذَلِك الشَّيْء فَقَط وَلَيْسَ جهل من جهل حجَّة على من علم برهَان هَذَا أَنه لَيْسَ فِي الْعَالم شَيْء إِلَّا ويجهله بعض النَّاس كالمجانين والأطفال وَمن غمرة الْجُهَّال والبلدة ثمَّ يتزيد النَّاس فِي الْفَهم فيفهم طَائِفَة شَيْئا لَا تفهمه المجانين وتفهم أُخْرَى مَا لَا تفهمه هَؤُلَاءِ وَهَكَذَا إِلَى أرفع مَرَاتِب الْعلم فَكلما اخْتلف فِيهِ فقد وقف على الْحَقِيقَة فِيهِ من فهمه وَإِن كَانَ خَفِي على غَيره هَذَا أَمر مشَاهد محسوس فِي جَمِيع الْعُلُوم وَآفَة ذَلِك مَا قد ذكرنَا قبل وَهُوَ إِمَّا قُصُور الْفَهم والبلادة وَإِمَّا كسل عَن تقصي الْبُرْهَان وَإِمَّا لِأَلف أَو نفار تعدا بصاحبهما عَن الْغَايَة الْمَطْلُوبَة أَو تعدياها وَهَذِه دواعي الِاخْتِلَاف فِي كل مَا اخْتلف فِيهِ فَإِذا ارْتَفَعت الْمَوَانِع لَاحَ الْبُرْهَان بِيَقِين فَبَطل مَا شغبوا بِهِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

وَأما قَوْلهم كَمَا لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا أدركوه بحواسهم وَفِي الْحساب وَفِيمَا أدركوه ببداية عُقُولهمْ فَقَوْل غير مطرد وَالسَّبَب فِي انْقِطَاع اطراده هُوَ أَنه لَيْسَ فِي أَكثر مَا يدْرك بالحواس وبداية الْعُقُول شَيْء يَدْعُو إِلَى التَّنَازُع وَلَا إِلَى تقليديتها لَك فِي نَصره أَو إِبْطَاله وَكَذَلِكَ فِي الْحساب حَتَّى إِذا صرنا إِلَى مَا فِيهِ تَقْلِيد مِمَّا يدْرك بالحواس أَو بأوائل التَّمْيِيز وجد فِيهِ من التَّنَازُع والمكابرة والمدافعة وَجحد الضرورات كَالَّذي يُوجد فِيمَا سواهُ كمكابرة النَّصَارَى واستهلاكهم فِي أَن الْمَسِيح لَهُ طبيعتان ناسوتية ولاهوتية ثمَّ مِنْهُم من يَقُول أَن تِلْكَ الطبيعتين صارتا شَيْئا وَاحِدًا وَصَارَ اللاهوت ناسوتاً تَاما مُحدثا مخلوقاً وَصَارَ الناسوت ألهاً تَاما خَالِقًا غير مَخْلُوق وَمِنْهُم من يَقُول امتزج كامتزاج الْعرض بالجوهر وَمِنْهُم من يَقُول امتزجا كامتزاج البطانة والظهارة وَهَذَا حمق ومحال يدْرك فَسَاده بِأول الْعقل وضرورته وكما تهالكت المنانية على أَن الْفلك فِي كل أفق من الْعَالم لَا يَدُور إِلَّا كَمَا يَدُور الرَّحَى وَهَذَا أَمر يُشَاهد كذبه بالعيان وكما تهالكت الْيَهُود على أَن النّيل الَّذِي يُحِيط بِأَرْض مصر وزويلة ومعادن الذَّهَب وَأَن الْفُرَات الْمُحِيط بِأَرْض الْموصل مخرجهما جَمِيعًا من عين وَاحِدَة من الْمشرق وَهَذَا كذب يدْرك بالحواس وكما تهالكت الْمَجُوس على أَن الْولادَة كمن إِنْسَان وَأَن مَدِينَة واقفة من بُنيان بعض مُلُوكهمْ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وكتهالك جَمِيع الْعَامَّة على أَن السَّمَاء مستوية كالصحيفة لَا مقبية مكورة وَأَن الأَرْض كَذَلِك أَيْضا وَأَن الشَّمْس تطلع على جَمِيع النَّاس فِي جَمِيع الأَرْض فِي سَاعَة وَاحِدَة وتغرب عَنْهُم كَذَلِك وَهَذَا مَعْلُوم كذبه بالعيان وكتهالك الأشعرية وَغَيرهم مِمَّن يَدعِي الْعلم والتوفيق فِيهِ أَن النَّار لَا حر فِيهَا وَأَن الثَّلج لَا برد فِيهِ وَأَن

<<  <  ج: ص:  >  >>